عندما يكذب السياسيون

 

أثبتت الدراسات النفسية أن أكثر الناس يكذبون حرصا على مصالحهم ولا يجدون في هذا الكذب (الكذب الأبيض) خطئاً أخلاقيا .. وتلعب الحالة النفسية دورا كبيرا في الميل إلى الكذب فقد اكتشف الأطباء النفسانيون أن مرضى الكذب يعانون العصبية والتوتر والضيق النفسي وأنهم يستعملونه كوسيلة لإخفاء ما يمرون به من متاعب نفسيه ولكن هناك أناس مصابون بهذا المرض وهم فئة قليلة , إنهم يستبعدون الصدق من حياتهم فيصبح بعيدا عن كل لفظ يلفظونه والكذب في حالتهم تلك يعتبر مرضا نفسيا ترجع أسبابه إلى اضطرابات نفسية عميقة ولا يعالج ألا عن طريق العيادات النفسية ويتطلب فترة طويلة جدا من العلاج المستمر, ان الميل الى الكذب يختلف بين شخص وآخر ولكن في مواقف الحياة العادية اليومية فانه يأخذ نفس الاتجاه تقريبا والشخص العادي يضطر الى الكذب نحو ثلاث مرات يوميا ونحو إلف مرة في السنة ومن بين المرضى موظف كان يكره عمله ولكنه لا يعترف بذلك ولا حتى مع نفسه لهذا فهو يتكلم طوال الوقت عن العمل العظيم الذي يؤديه وعن اهمية هذا العمل الخطير علما انه لا يحمل معه قلماً يكتب به ويذهب الى دائرته بملابس غير مكوية وحذاء ممسوحاً من الاسفل يدل على اهماله وعدم مبالاته وكثيرا ما يذهب الى الدوام متاخرا فيكذب على موظف الاستعلامات ويدعي بانه مصاب بمرض السكر والضغط (والعياذ بالله) وعند وصوله الى دائرته يذهب الى مسؤوله المباشر ويكيل له المديح والثناء حتى لا يحاسبه على التاخير ومسؤوله لا يبالي لانهما مصابان بنفس المرض.

يقال ان اقل الناس كذبا وأكثرهم صدقاً هم العلماء أولاَ يليهم الباحثون الذين يعملون في المعامل ثم المهندسون وهم لعلهم من الناس الذين تعتمد اعمالهم على المقاسات الدقيقه التي لايمكن تجاهل المليمتر الواحد فيها … ولو إن الكثير من دوائرنا الحكومية تعج بعدد كبير من المهندسين الذين يفترشون الارض يتحدثون لبعضهم عن افكارهم السياسيه والعشائريه والعائليه والكثير منهم يطل علينا من خلال الصحافة الخاصة والعامة بزيادة الإنتاج وتضخيم الانجازات الجبارة التي يقومون بها وكما قال احد خطباء الجمعة بأن من يشاهد الفضائيات العراقية ويقرأ الصحف اليومية والمجلات يعتقد بأنه سوف ينهض من نومه مبكراَ ويرى العراق الجديد فيه شقق عملاقة وسيارات حديثة وشوارع معبدة ولا يشعر فيه المواطن بأية أزمة سوى(الأزمة المالية ) وهي أزمة وقتية خارجية جاءتنا نتيجة انخفاض أسعار النفط عالمياً . اما ظاهرة الكذب في حق الانبياء كما في واقعة إبراهيم الخليل (ع) حينما كسر الأصنام وأبقى كبيرها فقط فلما سئل ((قالوا اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم ان كانو ينطقون )) وقيل معناه سلوهم ان نطقوا يصدقون وان لم يكونوا ينطقون فليس هو الفاعل فقوله هذا من باب المعارضة وهي بعيده عن الكذب كما يتصورالبعض.اما اكثر الناس ميلا الى الكذب هم الممثلون ثم السياسيون والصحفيون والفنانون لما يقتضيه عملهم من خيال واسع ..ولا ننسى التلفزيون وقنواته الفضائية والإذاعات والصحف ولا أتردد في ان اغلب ما تأتي به بعض هذه الأجهزة الإعلامية هو نوع من أنواع الكذب والمبالغة بالحدث ولا ينهض على اساس من العلم ….. المشكلة عندنا إن من يتصدون للكتابة ليسوا من الدارسين النفسانيين والدارسون النفسانيون ليسوا ممن يجيدون الكتابة لأجهزة الإعلام المختلفة.

اخطاء برامج

اقول هذا لانني كثيرا ما اصتدمت باخطاء في هذا البرامج التي تعالج مشاكل الناس ….. الناس الذين يعانون من مرض الكذب والقلق , وحرام إن نقدم لهم ما يزيد من قلقهم .ومن أخطر أنواع الكذب (كذب المسؤولين) الكبار في الدولة من نواب ووزراء وقضاة ومفتشين عموميين ومدراء عامين حينما يكشفوا عن ذممهم المالية لهيئة النزاهة العراقية عندما تحركت تلك الهيئة إلى المصارف والدوائر المعنية للتأكد من المعلومات التي قدموها عن أنفسهم وزوجاتهم وأبنائهم , فوجدت أغلبها غير صحيحة وتتعارض مع الحقيقة , وهذا واحدة من مسلسلات الكذب العام في المجتمع العراقي الجديد إلا وهي( كذب المسئولين الكبار في الدولة).لقد تحدثت يوما الى احد المديرين …. وكان قد ارتفع من طفوله فقيره الى النجاح في الوصول الى منصبه الحالي .

وعزا نجاحه الى فلسفه اخذها من ايام طفولته في الشوارع وقال ((لقد علموني أن العالم غابة …انه الواحد يأكل الأخر …وعليك ان تتغلب على الشخص الاخر اولا والا تغلب عليك )) كان للرجل جو عدواني فظ قد يفسره البعض على انه ثقه بالنفس تماما وهكذا بالرغم من المظهر الخارجي للثقه بالنفس الذي يبدو على هذا الرجل فان عدم اطمئنانه الداخلي قد استنفذ المتعة في حياته .ان قانون الغابه الذي يؤمن به هذا الرجل يتطلب يقظة وحرصا دائميين فليس له حياة او هوايات اخرى انه يجعلك تخاف ان تعمل بطريقه خلاقه تخاف من التغيير وتخاف من المستقبل ,انه يجعل كل صديق يبدو عدوا لك يهددك بالخطر انه يجعلك تشك في انه لكل شفقه دافعا خطيرا وكل ضربة حظ نذيرا بكارثة محتملة .

 وكلما تقدم بنا العمر برزت مسائل وأزمات جديدة لتزيد المطالب علينا وتبدو الثقه التي اكتسبناها في السنوات السابقة غير كافية لسد مطالبنا أو انها لم تؤهلنا جيدا للمهام التي نواجهها الان .