الولاء للوطن الواحد .. لماذا وكيف؟ |
إن زرع الخوف بين الناس من خلال الأفكار والممارسات الاستفزازية المبنية على حمل السلاح وانتشاره في المجتمع تحت شعار محاربة الإرهاب والجماعات التكفيرية يحول الأحزاب الحاكمة إلى سلطات (قمعية – نفعية ) لا تقل خطورة عن الأجهزة القمعية في عصر البعث الدموي 2003 – 1968 م وهذا ما يعطل إرادة الجماهير ويًحول دون انطلاقتها نحو التطور العلمي وازدهار المبادرات الخلاقة للمثقف العراقي التواق للديمقراطية الحقيقية التي تتكفل بتفجير مواهب الشعب. إن الخروج عن – المنهج الديمقراطي – وبروز أخطاء لدى الكثير من الأحزاب الحاكمة يتبلور في تخلف النماذج القاصرة وقلة وعيها وسيادة النزعة التسلطية والفردية في تفكيرها لانتهاج البعض منها الفكر (الديني – الطائفي) كما لدى البعض من الأحزاب الدينية الشيعية والسنية , أو الفكر القومي كما لدى بعض الأحزاب الكردية الحاكمة في إقليم كردستان , كما إن البعض من الأحزاب الليبرالية العراقية تحاول أو تدعوا إلى مغادرة النهج الديمقراطي من الأساس , وهذا ينم عن عقلية بيروقراطية ودكتاتورية وجهل بحقوق الجماهير الثقافية و السياسية . العراق اليوم يواجه صراعا فكرياً : من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والفضائيات ودور النشر المسمومة , وسياسيا : من خلال أحزاب الكثير منها مرتبطة وممولة بجهات عربية وأجنبية , واقتصاديا : باعتماده في تمويل موازنته المالية على بيع النفط الخام الذي تهاوت أسعاره مؤخراً إلى الثلث مما كانت عليه سابقاُ , وعسكريا : بظهور داعش على الساحة العراقية كأكبر منظمة إرهابية غزت العراق وسوريا المجاورة للعراق , وهو يخوض اليوم معها صراعاً من أشرس ما يكون الصراع , وإذا ما خسرنا الحرب (لا سامح الله ) في هذه المعركة المصيرية فسوف نعود مرة أخرى إلى عصر الدكتاتورية المقيتة التي حكمت العراق قبل عام 2003 م والانتصار والهزيمة في هذا الصراع قضية مصيرية في تاريخنا المفعم بالحروب والغزوات الخارجية العسكرية منها والفكرية . من واجب علماء الدين والخطباء والمثقفين نشر – الوعي السياسي والثقافي – بين الناس وتمكين الناس من التعايش السلمي فيما بينهم على الرغم من اختلاف أفكارهم وتوجهاتهم الفكرية والعقائدية وتمكينهم أيضا من الفهم الصحيح لما يحصل في الساحة العراقية والعربية والعالمية من فنون اللعبة السياسية وتحذير الناس من إن يكونوا ضحايا هذه اللعبة والخطط التي تنتجها بعض الدول الإقليمية و الحركات الدينية المتطرفة , فبدلا من البكاء على التاريخ ورجالاته الذين مضوا إلى حتفهم الموعود , علينا اليوم تعبئة الجماهير للمعركة التاريخية ضد داعش وأخواتها وضد الفساد والفاسدين الذين لا يقلون خطراً من الدواعش الأنجاس. والجماهير اليوم أصبحت تربة خصبة للفتن وتقبل – الخرافات – من بعض رجال الدين المتخلفين , لكن الأغلبية من تلك الجماهير هم وعاء صالح للوعي والعقل والسداد والتقوى ويمتلك الكثير منهم أعماقا سليمة من الفطرة لم ينفذ أليها الفساد والفاسدون , والقادة الحقيقيون هم الذين يدركون هذا العمق الفطري السليم للجمهور . إن – التظاهرات العفوية الغاضبة – التي تقوم بها الجماهير كل يوم جمعة من اجل الإصلاحات والتغيير في جسد الحكومة ومكافحة الفساد بالاستناد إلى وعيها الوطني الموروث من الكفاح الوطني العراقي الأصيل عبر التاريخ , وخطب الجمعة المباركة لمرجعية النجف الاشرف جعل الهتافات تستمر لهذا اليوم دون توقف , تلك الأصوات المطالبة بالتغيير الداخلي وتحرير ثقافتنا العراقية من التبعية الأجنبية وأسواقنا من سيطرة البضائع المستوردة التي تصدرها لنا دول الجوار والدول الصناعية الكبرى وإنتاجنا الزراعي والحيواني المتدني , والدعوة للوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي وكشف الفاسدين والمتنفذين الذين يستخدمون مواقعهم في الحكم لتمكين النفوذ الاقتصادي الأجنبي من إغراق أسواقنا بالسلع والبضائع المستوردة . كما يجب الاهتمام بـ – لغة الخطاب – في حياتنا الثقافية والسياسية المعاصرة كذلك الاهتمام بمصدر الخطاب فهناك خطابات دينية وسياسية وثقافية كثيرة صادرة من ولاءات طائفية وعشائرية ومناطقية تنفذ إلى الناس عن طريق المناسبات الدينية والمدارس والصحافة والإذاعة والتلفاز إلى غير ذلك , ومن خلال تلك الثقافات عملوا على زرع تلك الولاءات لإغراض انتخابية نفعية ليس غير , لا زال المجتمع العراقي بكافة قومياته وطوائفه يدفع ثمن تلك التناحرات والاختلافات . على الصعيد الاجتماعي مثلا على الناس – احترام القانون – والتعاون مع أجهزة الدولة المختلفة والتعاون الاجتماعي فيما بينهم , وبذلك تكون توجهاتهم ورؤيتهم صحيحة والعكس صحيح .. إذن تركيزنا يجب إن ينصب على – الثقافة – أكثر من البطاقة التموينية لأن الثقافة أداة النهوض بالمجتمع , فنظافة البيت والشارع مثلا هي ثقافة , واحترام أفكار الآخرين ثقافة حتى المأكل والملبس يعتبران ثقافة اجتماعية , وعلى أجهزة الإعلام رصد الثغرات الثقافية في المجتمع وتنبيه السلطات عليها بدلا من مهاجمة معتقدات الناس وقناعاتهم الفكرية التي يمارسها البعض بقصد أو بدون قصد. وإذا كان – النظام البرلماني – وتشكيل الحكومة اليوم هو نتاج تولي أحزاب دينية وليبرالية لمقاليد السلطات التشريعية والتنفيذية , ألا أن أغلب تلك الأحزاب والحركات السياسية الحاكمة والمشُرعة نمت وعاشت وترعرعت خارج العراق ثم عادت لتحكم العراق بعد التغيير عام 2003 م تحت خيمة المحتل أو ما يسمى المحرر الأمريكي , إن هذا النقل الآلي للسلطة لا يعطي شكلا للحرية والديمقراطية بمفهومها الجماهيري , لان نقل الحكم بهذه الطريقة الحشة جاء من فكر سياسي واجتماعي غربي مغاير لواقعنا العراقي المليء بالمتناقضات الفكرية والسياسية , فضلا عن مغايرته لطموح الجماهير في الديمقراطية الشعبية.وإذا كان هذا النهج وما يرتبط به من نشاطات برلمانية تكرس لخدمة طائفة ما أو قومية ما فانه يعجز عن القيام بخدمة الأغلبية العراقية المختلفة الأعراق والديانات والقوميات لأنه يستهدف بالأساس امتصاص المطالب المشروعة للجماهير وتحويلها في مجالات بعيدة عن التطبيق .إذن بناء – السلطة المركزية – القوية تتضح أهميته في حماية الاستقلال السياسي وتعزيز الإرادة الوطنية وتمكينها من النهوض بالجماهير مرة أخرى باختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية , فهي مطلوبة وضرورية لإحداث النقلات النوعية في المجتمع وحماية النظام وسيادته عندما تترابط المركزية مع الديمقراطية بدلا من المحاصصة السياسية لإدارة الدولة بهذا الشكل الذي يعيشه العراق اليوم . فالمركزية والديمقراطية في ظل نظام قائم على دولة القانون يكمل كل منهما الأخر ليؤديان بالنهاية ضمان بقاء الدولة واستقرار الوطن وتمتع الشعب بحريته الحقيقية الصائبة . وأخيرا لابد من العمل على نشر المبادئ الصحيحة لحقوق الإنسان وثقافة التآخي والمصالحة الوطنية بدلا من البكاء على الماضي والتشبث بثقافة محدودة التوجهات قد تؤدي مستقبلاً إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم متناحرة , والخاسر هنا هم أبناء العراق الواحد الذي بناه وقاتل من أجله أجدادنا الأوائل بدءً من العصر السومري 5000 عام قبل الميلاد , عندما وحد العراق القائد السومري الفذ ( لوكال زاكيزي ) حينها كان العراق يتكون من دويلات مدن متناحرة , ثم جاء عصر سيدنا إبراهيم الخليل ( ع) 1725 – 1900 ) قبل الميلاد , مروراً بعصر الإمام علي أبن أبي طالب ( ع) 35-40 هجرية والعراق واحد موحد حتى الوقت الحاضر , واليوم يحاول أصحاب الأجندة الطائفية والنوايا السيئة أعادته إلى عصر دويلات المدن المتناحرة تحت شعار الفيدرالية أو ما يسمى التقسيم القومي والطائفي ولاثني , وقد ينسى البعض أو يتناسى أن العراقيين في العصر العباسي132-656 هجرية حكموا بلدان العالم الإسلامي وغيرها طيلة خمسة قرون وربع القرن تقريبا , بعد أن نقلوا العاصمة من دمشق إلى الكوفة ثم الانبار بعدها شيدوا مدينة بغداد عاصمة الخلافة العربية – الإسلامية عام 145 هجرية والتي احتُلت ودمُرت من قبل المغول عام 656 هجرية بسبب الشعوبية – السياسية والفرق الدينية المعارضة للحكم والصراع على الخلافة. ومع حلول بدايات القرن السادس عشر تبادل الصفو يون والعثمانيون السيطرة على بغداد ، حتى انتزعها العثمانيون عام 1535 م منهم ، فظلت تحت حكمهم قرابة 4 قرون. وفي عام 1917 م سيطر الانكليز على المدينة ، ثم أصبحت عاصمة للمملكة العراقية عام 1921 م ,والجمهورية العراقية عام 1958 م حتى يومنا هذا … فمن يحافظ على العراق من التقسيم ؟ ومن يحافظ على بقاء بغداد عاصمة للعراق الموحد بدلا من العواصم الإقليمية المزعومة ؟ . |