الانفراد والانزواء

 

باصرار او بغفلة تتجه معظم البلدان العربية الى الانفراد بتوجهاتها في مختلف المناحي والاتجاهات. ورغم أن الايام تكشف بتداعيات متواصلة ان هذا الانفراد سيقود حتماً الى ان ينزوي كل بلد عربي في حدوده المهددة أصلاً.

 

وتدلنا أحكام  الجغرافية والتاريخ ان هذه البلدان تمتلك كل مقومات التكامل والاندماج بعيداً عن العرقية التي بنى مناوؤا القومية العربية رؤاهم على أساسها – وربما نجحوا في غفلة منا – بعد أن فقدنا القدرة على التمسك بالثوابت وبالحقائق.

 

لم تكن القومية العربية امتداداً أو تقليداً لما ظهر في اوربا خلال الثلاثة قرون المنصرمة، بل هي امتداد لحركة فكرية تمنطقت بعقيدة الاسلام منذ ظهوره، بأداءٍ بعيد عن -الشوفينية- التي طبقت عليها القومية الاوربية، وبعد أن حملت رايات التبشير شخصيات لم تكن عربية أساساً. اضافة الى توالي ظهور المفكرين من علماء وفلاسفة وفقهاء وادباء وشعراء، دونوا كل نتاجاتهم باللغة العربية مع ان بعضهم لم يكن عربياً. واليوم نلاحظ أن المملكة الاردنية الهاشمية ترفع رمزاً معبراً يذكِّر بأن هذا العام يقابل العام 1916م وهو ما يعني الرقم 100 الذي حمله الرمز، بما يعيد للذاكرة ثورة الشريف حسين الذي أطلق رصاصتها الاولى يوم 9/6/1916.

 

ومع قسوة ما تعرضت له هذه الثورة من نكوص الانكليز عن وعودهم لقائدها الذي ظل معانداً ومتمسكاً بحقوق امته وتلقى جزاء ذلك الهوان بعد أن نكل به الانكليز ومات في منفاه في جزيرة قبرص. وكان لاستمرار وانتشار الراية الخفاقة التي رسمت أوانذاك اكثر ما يؤكد صحة الامورالتي لم يعد يليق بنا أن نتجاوزها أو نتخلى عنها.

 

أمام كل البلاد العربية فرصة لا يحق لها اليوم بالذات أن لا تغتنمها وتعود للوعي وتمسك زمام ارادتها بعد ان تحدد الرؤية والاهداف المشتركة والطريق الذي يقودها الى العودة للحياة.

 

ان الاجيال القادمة تريد منا الكثير فهي وبعد ان اتاحت لها الدنيا الجديدة وتناولت اياديها كل ادوات المعرفة التي هي بحاجة قصوى لمعرفة وهو ما يقع على عاتق جيل اليوم ومن خلال الوعي والادراكومواكبة ما هو جار في العالم كل لكي لا تترك تلك الاجيال في الفراغ الذي اتعبنا بعد أن فقدنا البوصلة.