الإصلاح والإرهاب |
الاصلاح اليوم ليس ضرورة فقط ، بل هو منهج حياة متجدد كذلك ، يهدف الى بناء الدولة الحديثة ، والمجتمع المنسجم في حركته التنموية مع إيقاع التطورفي العالم ، إلا إنه بات من الصعب تحقيق ذلك والشروع بالتنمية ، او تأتي بنتائجها الايجابية دون التخلص من الارهاب ، والمظاهر المسلحة ، والفوضى ، واستغلال الطاقات الوطنية في مجالها الصحيح ، وتعود الحياة الى مسارها الطبيعي ..
ولذلك يعد الارهاب اليوم هو التحدي الاول امام هذه الاهداف ، فما قيمة إعتماد التكنوقراط والمهنية في الادارة ، إذا لم تغلق المنافذ الخطرة التي يتسلل منها الارهاب ، ليس على الارض فقط ، فما أسهل غلقها ، بل في الفكر والسياسة والادارة ، وفي مقدمتها الخلافات والتعصب ، والتعامل على أساس المكونات ، وتصدع الجبهات الداخلية وضعفها ، والتهميش والاقصاء ، وفشل السياسات في الاقتصاد ، وانعدام التنمية ، والعدالة الاجتماعية ، وفي البطالة والفقروالتشرد والحرمان ، والحاجة التي قد تدفع البعض الى ما لا يتمناه .
وازاء المخاطر التي تهدد الاوطان من الارهاب الذي أصبح عابرا للحدود ، ينبغي أن تتقدم مصلحة الوطن على المفردات الذاتية الصغيرة ، وهذا ما تجده ظاهرا بصورة جلية في سلوك المواطن ، الذي تختفي عنده التفرعات الضيقة في دعواته ومطالبه ، وشعاراته ، ويركز على الوطن الذي يلتقي الجميع تحت خيمته الواسعة التي تسعهم بظلها وخيراتها ، على العكس من السياسة عندما يصبح الحديث فيها علنا عن الحصص والمكونات والتوازنات ، ومن هنا تبدأ يذورالخلافات والانقسام ..
واذا كان الارهاب ظاهرة عالمية اليوم ، ولا يقف عند حدود دولة معينة ، في الشرق أو الغرب ، ويستغل اي فرصة ليمتد الى ما شاءت له قدرته أن يتوسع ، اوفي حالة تقاعس الدولة وغفلتها عنه ، فانه وجد في المنطقة ، والدول العربية بالذات ، أرضا رخوة ، يسهل إخترقها ، وصيدا ثمنيا يمكن إبتلاعه ، وساحة للتمرين جرب فيها كل فنونه ، ووسائل الموت التي تنتجها صناعة السلاح العالمية ، ويدفع اليه الفكر المنحرف الهدام ، ليصطاد المغفلين في مصائده ..
وعندما تنتهي لعبة الارهاب ، وتفقد صلاحيتها ، وتحترق صفحتها ، ستجد الشعوب نفسها في حيرة وذهول وحالة عجز ، لهول ما ترى من دمار ، وإستغفال وقع في حبائله الضال ، وستحتار في تدبير أمرها ، وهي تقف على أطلال بيوتها ، وانقاض مدنها ، ودمار معالمها ، وضياع ثرواتها ، وتشريد ابنائها في المنافي والهجرة والنزوح ، أو من غيبّهم الموت في قوارب الهجرة غير الشرعية ، وحالة الانكسار في خيام الذل عند حدود الدول ، ينتظرون رحمة أي دولة تدخلهم الى جنتها …
والاصلاح يبدأ من هنا ، في سرعة اعادة البناء والاعمار ، وتعزيز الوحدة الوطنية ، والتركيز على الثوابت الوطنية ، ومحاربة الافكار المتطرفة ، وإعتماد المواطنة أساسا في التعامل ، وبناء اقتصاد متين ، وتنمية حقيقية تستوعب الايدي العاملة العاطلة ، وأمن قوي محكم يبدأ من الداخل يضمن للدولة حدودا قوية عصية على الاختراق ، وسمعة عالية وعلاقات دولية متميزة ..
وهذه اهداف سياسية وطنية ، قبل ان تكون حكومية رسمية ، وبخلاف ذلك لا تكون ذات جدوى دعوات الاصلاح التي يسمعها المواطن ، عن تغيير الحكومات ، أو وضع شروط ومواصفات للوزير، أو المسؤول ، ودعوات القضاء على الفساد الذي أضاع الثروات وشارك الارهاب في التدمير ، إن لم تتخلص الاوطان من هذا الوباء ..
لأن الارهاب عندما تسلل الى هذه الاراضي باختلاف الأنظمة التي تحكمها ، والاسماء التي تتصدر واجهات سلطاتها ، لم تكن لديها مشكلة في إختيار الوزراء ، ، وكان التكنوقراط والمهنيون موجودين في مفاصل الدولة عندها ، والديمقراطية شعارا ترفعه بمختلف أنظمتها ، والانتخابات تأتي بالحكام ، سواء كانت نظيفة ، او يشوبها التزوير ، او ظلوا جاثمين على صدور شعوبهم ، وكان الفساد في الهامش المتعارف عليه ، ولم يكن ظاهرة كما هو عليه اليوم ..
ولكن المشكلة الاساسية بدأت عندما تمكن الارهاب في المنطقة ، واُستغلت الديمقراطية في غير اهدافها الحقيقية ، أو تأتي بشخص غير مناسب ، أو لا يصلح ان يكون ممثلا للشعب ، أو قائدا في قطاع معين ، أو عندما تصبح بابا واسعا للفوضى والفساد … ونفذ الارهاب من خلال الخلافات والانقسامات ، ليس داخل البلد الواحد ، بل بين الدول العربية ، واصبح المواطن العربي يسمع أن هذه الدول تعمل ضد تلك ، أو تتآمر عليها ، او تتهم بدعم الارهاب ، او تكون لدولة إخرى امتدادات خارجية ، وتعمل بالنيابة عن أجنبي يستهدف هذا البلد او ذاك ، بحيث اصبح العرب يحتاجون الى مصالحة في ما بينهم ، وليس الى مصالحة داخل الدولة الواحدة .. وبالتالي أصبحت الساحة العربية مكانا مفتوحا ، لتصفية حسابات دولية أو اقليمية ، والتدخل في شؤونها مشروعا ، تحت حجة مكافحة الارهاب …
فالاصلاح الحقيقي .. يبدأ من هنا .. من التخلص من الارهاب الذي جعل الحدود مفتوحة ، والسيادة مخترقة ، والثرورة ضائعة ، وطلب مساعدة الاجنبي ( مشروعة ) … وبالتالي لا يتحقق الاصلاح المطلوب إن لم تكن هناك بيئة أمنة ، لكي لا يُدمر ما يعاد إعماره مرة اخرى بالارهاب والعمليات المسلحة ، ويهجر الانسان من ارضه ، وسد كل المنافذ التي يتسلل منها الارهاب ، والتخلص من المحاصصة ، لتكون المواطنة هي القيمة العليا ، وتتوفر للمواطن حياة كريمة أمنة ، وعيش رغيد ..
والتكنوقراط ليس اكتشافا جديدا ، أو براءة إختراع لأحد ، بل هو من أبجديات العمل المنظم والف باء الادارة في العالم ، والتخصص سمة العصر .. فلماذا اصبحنا استثناء من هذه القاعدة ..؟.. وكيف يتحقق البناء إن لم تتخلص الدول من معول الهدم .. وهو الارهاب وغلق المنافذ التي يتسلل منها ..
وذلك هو الاصلاح ..
{{{{{{{
كلام مفيد :
الكسول يخشى الذهاب في الشمس ، كي لا يجر خياله وراءه ..( انيس منصور..)
|