تتفق مناهج التحليل المستقبلي على تحديد مدخلات الواقع البنيوي للدولة في ثلاثة مصطلحات هي " الدولة الفاشلة والدولة المتعثرة وللدولة في اطار المراحل الانتقالية" ، ويغيب مثل هذا التحليل عن ادبيات التحليل السياسي العربي تحت عناوين عريضة لنموذج المؤامرة الخارجية الذي عبرت عنه مدارس فكرية متعددة تبنتها الدول الشمولية .
السؤال كيف ولماذا ؟؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من تحديد ما يعرف بالفواعل الأساسية في عراق ما بعد2003 وهي " المرجعية الدينية في النجف الاشرف – ايران – الولايات المتحدة " ولكل منها ارثه الواسع وابوابه المتعددة لطرق مستقبل العراق الجديد، ويمكن الإجابة على هذا السؤال بتحديد معطيات الواقع في تجليات نموذج الدولة الفاشلة و إمكانيات هذه الفواعل الأساسية في رسم سيناريوهات مستقبل البلد خلال مرحلة لا تتجاوز العامين في امدها المنظور وعقد كامل في امده المتوسط وربما 5 عقود مقبلة في الأمد البعيد ،وأي حديث عن تغيير لا توافق عليه الفواعل الثلاثة في رسم مستقبل الخارطة العراقية ، يجافي الواقع واي حديث عن عدم وجود تنسيق واضح بينهم أيضا يخالف الصواب وهناك معلومات لم تتطابق في تقاطع دورة المعلومات لكنها لم تنف من بعض المصادر دون شرح التفاصيل بان هناك وفدا اميركيا من 15 شخصية من كبار الباحثين في مراكز الدراسات الأميركية يتراسهم السفير الأمريكي السابق في العراق وسورية جيمس جيفري مهمته انضاج الحلول العراقية على نار هادئة وتبقى جميع التصريحات العراقية مجرد ردود أفعال على رقعة شطرنج جديدة ترسم معالمها بدقة كبيرة ،وفقا لما يلي :
أولا: واقع الحال لا يوجد أي تقاطع مصلحي بين الفواعل الثلاثة في العراق الجديد ما بعد الاتفاقية النووية الإيرانية بل ان من ثمارها التي لابد وان تقطف في العراق هي ترتيب حالته الانتقالية ، وما يجري اليوم من حوارات بين هذه الأطراف تتمحور حول اليات استحداث هذه السيناريوهات ما بين الموقف الأمريكي من نقل البلد الى حالة من الإدارة الفدرالية الواسعة بل وحتى نموذج الكونفدرالية ، لأسباب أمريكية ترث وقائع الحرب الاهلية الامريكية وما نتج عنها ، فيما تسعى ايران الى الإبقاء على عراق واحد تحت قيادة اغلبية شيعية تحت عنوان عريض لاعتبار العراق حديقتها الخلفية منذ سقوط دولة بابل الثالثة 526 قبل الميلاد ، وتطبيقات اول نموذج لساحة تصفية الحسابات ما بين الدولة البيزنطية والدولة الساسانية ، ومن ثم بين الامبراطورتين الصفوية والعثمانية التي توالى كل منهما على احتلال العراق انتهاءا بنموذج الحكم الملكي الذي اسقطته بريطانيا تحت عناوين إدارة الصراع بالأزمة تحضيرا لمرحلة الحرب الباردة التي انتقلت قيادتها الى الولايات المتحدة .
في المقابل ما زالت مرجعية النجف لا توافق على أي من الموقفين الأمريكي والإيراني، وتحاول تثبيت نموذج ديمومة الدولة الملكية تحت حكم جمهوري برلماني تمثيلي، يطبق سياسات مواطنة صالحة تترك للمواطن حرية تطبيق شعائره الدينية وفي ذات الوقت لا تكون الانتماءات المذهبية هي الأصل في تخليق السياسات العامة للدولة كما حصل ما بعد عام 2003.
لذلك لا غرابة في تصريح رئيس ديوان الوقف الشيعي السيد علاء الموسوي بان المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف هي الضمان الحقيقي لوحدة الشعب العراقي وسلامته من التمزق وهي تؤكد دائما على الوحدة والأخوة من خلال البيانات ومن خلال عملها في ارض الواقع ولذلك فان موضوع تسليح طرف معين خارج نطاق الحكومة مرفوض رفضا قاطعا، مشددا خلال لقاء بالسفير الأمريكي في العراق ستيوارت إي. جونز بمكتب رئيس الديوان في بغداد" ان المرجعية هي المعبر الحقيقي عن هموم الناس وهي القناة الموثوقة لنقل الحقائق التي تحدث في العراق لأنكم تعلمون بان العراق يعيش تعقيدا شديدا خصوصا في علاقاته مع الخارج وبالتحديد مع الولايات المتحدة الامريكية وهذا ما يحتاج عناية فائقة لحل مشكلة الثقة بين الطرفين".
4 سيناريوهات
ثانيا : في ضوء ما تقدم تطرح 4 سيناريوهات- نماذج لتحديد مستقبل العراق في المرحلة المقبلة وهي :
· الانتقال الى نموذج حكم فيدرالي بصلاحيات واسعة وتكون بغداد حكومة اتحادية باختلاف نوع الأحزاب ما بين النموذج الطائفي " شيعي – سني" او القومي " العربي -الكردي "، على ان تبقى هذه الحكومة الاتحادية بصلاحيات اتحادية تعنى بالأمن والاقتصاد والعلاقات الخارجية وتترك بقية الأمور للفيدراليات التي يتوقع ان ما بين 5-7 فيدراليات، واحدة كردية، و2-3 سنية، 3-4 شيعية.
· تحول الدولة الى نموذج الحكم بالإدارة اللامركزية، وبذلك تلغي فيدرالية كردستان او تبقي عليها، ويعاد تشكيل الدولة على أساس قانون أحزاب جديد يكون قاعدته التمثيلية من 5الاف مواطن يمثلون محافظات العراق بما لا يقل عن 10 محافظات، واشتراط حكومة التكنوقراط لمن يحملون شهادات وخبرة وظيفية لا تقل عن 25 عاما، واعلاء شان المواطنة في إعادة صياغة الدستور وفقا لنموذج رئاسي – برلماني، وهو النموذج الأكثر تفضيلا للمرجعية الدينية وقبول إيراني على مضض.
· اما النموذج الثالث فهو الانتقال الى مواجهات ميدانية للقضاء على داعش وتشكيل حكومة "منتصرين" يكون الحشد الشعبي محورها الأساس، وهو النموذج المطلوب إيرانيا بقوة، والمرفوض من اغلبية الأطراف السنية والكردية بل وحتى من بعض الأطراف الشيعية.
· وهناك نموذج امريكي يطرح سيناريو " الحتمية "بتشكيل مجلس عسكري من 7-10 شخصيات منها من هو موجود داخل العراق واخرين من خارجه، كمجلس سيادي يعاونه مجلس حكماء من 50 شخصية عراقية يدعمهم تحالف إسلامي بقيادة السعودية وموافقة من مجلس الامن الدولي ، وظهور عسكري وامني امريكي كبير في العراق مجددا ، وما يجري من مناورات قرب الحدود العراقية السعودية يعد النموذج للتدخل الأميركي – الإسلامي في العراق لحل الحكومة الحالية وتعليق الدستور والاتيان بما لم تات به واشنطن عند غزوها العراق عام 2003 وتكوين قاعدة انتخابية شعبية في المحافظات ومنها تشكيل مجلس اتحادي يمثل رؤساء هذه المجالس للمحافظات العراقية ، في عامين انتقاليين ، ليتم الانتقال الى نظام برلماني - رئاسي مجددا
يقينا ان كل من هذه السيناريوهات تؤكد الحاجة الملحة للانتقال بالعراق الى مرحلة انتقالية وتجاوز حالة الفشل التي يعيشها، بل هناك معلومات تتداول على صفحات الفيسبوك العراقية تشير الى ان هناك نية لاسترداد أموال الفساد من 72 شخصية عراقية معروفة يمكن ان تصل الى 300 مليار دولار أميركي وان هناك لجنة قضائية محاسبية أمريكية قد وكلت بهذا الموضوع.
انتقال سلمي
في ضوء كل ما تقدم يمكن تأشير الاتي:
أولا : لا يمكن اعلاء شان دولة العراق وديمومتها الا من خلال اعلاء شأن المواطنة ،وربما اتفق مع راي المرجعية الدينية في ذلك لكني اختلف معها في السياسات العامة المطلوب الاتيان بها في المرحلة الانتقالية ،ولابد من تحديد مفاهيم قانونية وتطبيقية في سياسات الدولة ،سيما تلك التي تتعامل مع المواطن العراقي بمفهوم الخدمة العامة وتحديد اليات للحد من الفساد لان المستحدث في الدستور العراقي والقوانين النافذة حولت المواطن العراقي الى مزدوج الجنسية، ولم تحدد اليات لحوكمة السياسيات العامة للدولة من قبل المجتمع المدني والصحافة ، بل ان الأحزاب العراقية تتعامل مع مشاكلها اما بنقل الإرهاب الى شوارع بغداد ،او توظيف التظاهرات لصالح تسقيط الاخر ، وهكذا فعلت في اعلامها الحزبي الذي طغى على الاعلام الوطني ، واشراك كل من المجتمع المدني والصحافة في حوكمة السياسات العامة بحاجة الى نصوص في الشفافية وتداول المعلومات دستوريا وفي سياسيات الدولة ، تجبرها على الإفصاح عن قراراتها واخضاعها للمسائلة الشعبية خلال الأعوام الأربعة من عمر الحكومة سواء الاتحادية ام المحلية في المحافظات.
ثانيا : عدم اتفاق الفواعل الثلاثة في العراق الجديد على سيناريو حل سلمي ، سيجعل سيناريو تشكيل حكومة "المنتصرين " سواء اكانت للحشد الشعبي او للتحالف الإسلامي والولايات المتحدة الأقرب للتنفيذ، ولن يتحقق مثل هذا النموذج الا بعد تسونامي متجدد من دماء العراقيين على حافات التنافس الدولي في المنطقة لان واشنطن ومن بعدها الاتحاد الأوربي لا يرى في الانتصار على داعش الا نصرا دوليا ، ومشاركة موسكو في هذا الانتصار يمكن ان تحافظ على نزعة الشك عند الجانب الإيراني ، لكن هذه النزعة تحتاج الى ضمانات واقعية عند الجانب الكردي- السني الذي لم يعد يثق بوعود الأحزاب الشيعية مجددا .mazinsahib@gmail.com