هنالك مثلٌ أمريكي يقول (Never Trust a Politician) ، أي لا تثق بأي سياسي ، وطبعا هذا المثل على مقاس الأمريكان ، رغم كونه رأي عالمي ، فكيف بالنسبة لنا ، وجوقة سياسيونا الأسوأ في العالم أصلا ، بل من الخطأ جعل (السياسة) من صفاتهم ، كونهم طارئين ، أجلستهم على كراسيهم الرياح السوداء ، وطيلة السنوات العجاف ، لم نحس أصلا كمواطنين عاديين ، أن ثمة سياسة تدير البلد ، يشبه الأمر تعيين مجموعة لم تكمل تعليمها الأعدادي ( رغم ان التزوير وصل حتى هذا المستوى التعليمي) ! بدلا من مهندسين استشاريين على درجة عالية من المهنية والخبرة والممارسة العريقة والطويلة ، ليديروا عملية ترميم شاملة لمشروع هائل خطير ، متشابك ومتنوع كأدارة بلد بكل مقدراته ، ويخامرهم (وهم غير مصدقين في قرارة أنفسهم) شعور استصغار للشهادة ، مدفوعين بعقدة الشعور بالنقص ، ، فلا حاجة لملء رؤوسهم الفارغة بعلوم السياسة ، فهم يعلمون أنهم مجرد أدوات ، والأداة لا تحتاج للعلم والتخطيط ، فما جدوى تعلمهم لفن السياسة ، وثمة من يملي عليهم صنع قراراتهم ! ، جيء بأفراد نكرات من أصقاع الأرض ، ليستولوا على السلطة اولا ،! وأنهم سيتعلمون مع الوقت ، فالوقت متوفر الى مالانهاية ! فهذه مسألة لا تهمهم ، وكأنهم يراهنون مستفيدين من خروج الوطن من عصور سياسية حجرية طالما صبّت في مصلحتهم ! عصور جعلت الناس يدمنون الضيم ، ويوغلون في المراهقة والأمّية السياسية ! ، وسيكون على المواطن (المتعطش للبناء والرفاه والتنمية ) الأختيار بين الأنتظار ، أو ان يذهب الى الجحيم ! ، وهو يرى نفسه يُسرق بأستمرار، ! ولكم تخيّل المعايير والخطوات التي تؤدي الى بناء هذا المشروع - البلد ، والذي سيكون هدمه كاملا أمرا حتميا كنتيجة طبيعية ، لقِصر النظر هذا ، وليت الجهل المطبق بالسياسة ، هو المثلَبة الوحيدة لديهم ، فجلهم من السّراق المحترفين ، والخونة ، والمطلوبين أصلا للقضاء ، والمستخدمين لأسماء مورّثيهم ، منهم من جاء للأنتقام ، ومنهم خَدَمٌ لدول أقليمية عاش على فتات موائدها ، ليعمل كمندوب لها ، من شيمهم حب الدعاية والظهور بكل الوسائل حتى الوضيعة منها ، كحب الظهور الحي النادر ، أيام الأنتخابات فقط ، وهم (يوزعون) ولا أقول (يغدقون) العطايا على اليائسين ،لأنها رخيصة تتناسب مع بخلهم ، ثم يختفي هذا الظهور (الحي) تماما وكأنهم ماتوا ، بأنتظار دورة انتخابية مقبلة ، فتُبعثُ فيهم الحياة بقدرة قادر ، ليخرجوا من أجداثهم !.وخلال فترة (الموت) تلك ، لن تجد لهم أثرا ، الا أخبار فسادهم المدويّة في الأعلام ، ورائحة سرقاتهم التي تزكم الأنوف ، شبيهة برائحة الأجساد المتفسخة ، دالة بذلك على هويتهم الحقيقية ! ، وجدارياتهم البائسة ، التي تذكرنا بجداريات النظام المقبور ، والتي تدل على نفس متعطشة للدعاية ، ودكتاتورية حزبية أو فئوية ، أخطر بكثير من دكتاتورية شاملة نحن بأمس الحاجة لها ! ، لأننا أثبتنا لأنفسنا ، أننا غير أحرار ، ولا نملك تعريفا واضحا للحرية ، فأسأنا استخدامها والتعايش معها ، رغم امتلاكنا لمجلدات تراثية ضخمة ومريرة ودموية ، ملأت مكتباتنا ، لم نستنبط منها الدروس ، لكنها ارتقت الى الأدب العالمي لمسيرة حقوق الأنسان ومفهوم الحرية العالمي ، مجلدات ، مليئة بأخبار وقصص ملحمية ، نفخر بها ونتداولها كالببغاوات عاطفيا ولكن لا عقلانيا ، ونقيم لها الأحتفالات والمهرجانات ، هكذا نجح الطغاة الجدد ، في تدجينها لمصلحتهم والمتاجرة بها ! ، بدلا من جعلها جحيما يعصف بهؤلاء الطغاة ، ولو أعطينا هذا التراث حقه من الدروس المستنبطة ، لما بقي أحد هؤلاء وأمّعاتهم يهنأون بيوم واحد على الكرسي ، دون ملأه بالخوازيق !.هكذا فقد المواطن ثقته بمعظم السياسيين ، وغسل يديه منهم ، وصرنا نبحث عن سياسي حقيقي نزيه ، تصل آثاره للمواطن ، ويرفع عنه ولو قبضة من رمال الحيف التي ُوئِدَ تحتها ، يعمل بصمت ، بلا أضواء ، بلا جداريات ، كالجندي المجهول ، فهل يوجد منه ؟ فالنزاهة أخلاق وواجب وسياق ، صارت في أيامنا هذه كالمعجزة ، أم أن عصر المعجزات ولّى ؟! حتى الصغيرة منها ! .وحتى لو توفر مثل هكذا سياسي ، فسيكون في نظرنا غامضا (كما قال السيد حسن العلوي) ، وسنوجس منه خيفة ! ، لأنه ببساطة ، خارج عن السياق العام الذي اعتدناه رغم أنوفنا ، وسوف ننسج حوله الأقاويل والقصص والتشكيك الذي نبرع به ، والذي طالما فرّطنا بسببه بأعظم القادة القلائل جدا ، كالشهب التي أنارت سماءنا التي لا يغادرها الليل ، فليكن الله في عونك ، أيّها السياسي النزيه الغامض ، الأتي من المستقبل ، على متن آلة الزمن !.