مكاتب الدفع السريع تسرق رواتب الفقراء

 

ظن المتقاعدون بشكل خاص والموظفون بشكل عام ان اشتراكهم في نظام الدفع السريع (كي كارد) سيوفر لهم مزايا ظلت مفقودة قبل تطبيق هذا النظام في العراق، أهمها استثمار الوقت ومغادرة سوء تعامل موظفي المصارف معهم ومحاولات الابتزاز التي يتعرضون لها، وتشكل بمجملها فساداً لم يستطع المسؤولون في الادارات العليا وضع حد له أما خوفاً من مافيات الفساد، واما ظناً بأنهم سيظلون بمنأى عن (الباب التي تجي منه ريح).

 

ولكن هل يصح ان نسلم الامور بيد مكاتب الصيرفة، التي عمدت الى التخصص بصرف الرواتب من زاوية ربحية فقط، لا تقيم وزناً لتعليمات مصرفي الرافدين والرشيد ولا تخاف العقوبة، لانها تدرك ان المتابعة الحكومية مفقودة، وان التواطؤ موجود، وان معظم وكلاء نظام الدفع السريع متنفذون او هم واجهات سوء لفاسدين في النظام السياسي والاداري المحاصصي.

 

لقد أضاع المتقاعدون والموظفون الطريقين عندما سلموا أمورهم الى هذه المجاميع السيئة من واجهات القطاع الخاص، فتحولوا الى ضحايا من زاويتين، الأولى اذعانهم لشروط مكاتب الصريفة (وكلاء كي كارد) والثانية استنزاف رواتبهم التي هي بالأساس لا تساوي شيئاً في وضع اقتصادي متدهور وارتفاع ملحوظ في الاسعار وزيادة مطردة في الاحتياجات العائلية الأساسية.

 

يلجأ الموظف أو المتقاعد الى المكاتب فيواجه صاحب المكتب أو عامل خدمة الدفع بوجه متجهم (عبوساً قمطريراً)، فيتعامل معهم من وراء وجه يحمل تكبراً فارغاً ويشرع باسماعهم الأسطوانة المشروخة (انا آخذ عن كل مليون خمسة الاف دينار) و (أنا ما عندي دينار، استطيع الدفع بالدولار) و (ما عندي مال كافي) و (موظف الصندوق مجاز) أو لا يتكلم الا بالاشارات ولا يرفع رأسه الفارغ من الرحمة والعلم ليرد عليهم، لانه مشغول بتصفح الموبايل.

 

لقد اصبح حال الموظف أو المتقاعد كاليتيم على مادة اللئام. الكل يريد الاستحواذ  على حقوق اليتيم والكل يطمح بالضحك عليه أو الاحتيال على ماله الحلال الحاصل عليه من عرق الجبين.

 

ان مصرفي الرشيد والرافدين مطالبان بمراجعة اداء هذه المكاتب وتشكيل لجان رقابة يومية لرصد المخالفات أو متابعة اسلوب التعامل الخشن مع الزبائن. واذا ما تركنا الامور سائبة فانها ستسوء اكثر فاكثر. وانا في أشد حالات الاستغراب من هذه الكثرة الكاثرة في عدد مكاتب الدفع السريع وهذه الازدواجية في عملها مع مكاتب الصيرفة في وقت يجب ان تكون الوكالة حصرية.

 

اننا نحتاج الى فرزها ليسهل ضبط ادائها من جهة ودفع اصحابها الى تقديم خدمة افضل للزبائن من خلال اعتماد ميزانياتها، كلياً، على مردودات صرف الرواتب الشهرية من جهة اخرى.

 

واذا ما توخينا الدقة في العمل وخلق شروط أفضل للمنافسة، علينا ان نوسع منافذ صرف الرواتب في المصارف. اقصد فروع المصارف في كل منطقة.

 

لقد حاولت فروع المصارف الحكومية التخلي عن واجباتها في هذا المجال، فعمدت الى تسليمها الى مكاتب الصيرفة دون التدقيق في امكانات هذه المكاتب من ناحية الاقتدار المالي، اذ من المستغرب ان يأتي الزبون الى مكتب ويقول له ليس لدي مال كاف أو ان يفرض شروطاً تعجيزية عليه مع ان القاعدة الاقتصادية تلزمه باحترام قواعد القانون لحصول المكتب على اتعابه مباشرة، وتقديم خدمة متميزة في ظل منافسة نتيجة كثرة او وفرة مكاتب الدفع. لكن المشكلة تكمن في تواطؤ الجميع وشيوع النموذج الاستحواذي الجشعي في السوق.

 

هذه التجربة التي استبشرنا خيراً عند اعتمادها،  تتعرض الى مزيد من الفساد ومحاولات الاجهاض والتشويه نتيجة اوضاع سلبية عامة تسود النظام المصرفي العراقي، يفاقمها ترك الامور سائبة بيد تجار المال الحرام والطارئين على المهن وعديمي الذمة والضمير والمتواطئين مع لصوص لقمة عيش الفقراء وذوي الدخل المحدود.