اخطاء الناس واخطاء الدولة |
تبنى الدولة المدنية من خلال ممارسات ديمقراطية تنتج عنها سلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية تعمل باستقلالية كاملة ولكن بطريقة تعاونية مترابطة تنتج عنها في الاخير بناء مؤسسات حكومية رصينة هدفها تنمية وازدهار البلد وتقديم الخدمات واعطاء الحقوق للمواطنين . وتدار الدولة من خلال مجموعة من الانظمة والقوانين وعلى رأسها الدستور وما يتفرع منه من قوانين وتعليمات , وجميع هذه القوانين بمحصلتها النهائية على مساس مباشر بحياة المواطن , وان اي خرق في منظومة القوانين هذه يعد تجاوزا يؤدي بصاحبه الى الاضرار بنفسه والاخرين والدولة وبالتالي يحتم على الدولة بسلطتيها القضائية والتنفيذية محاسبة ومعاقبة المخطئ. قد لا نستغرب عندما نسمع بان هناك مواطن او اكثر قد خالفوا القانون وارتكبوا جرما ما , فالنفس البشرية قد تكون ميالة لمثل هكذا سلوك, فمنذ خلق البشرية وحتى يومنا هذا هناك العديد من هذه الجرائم ابتداءا من عصيان ابليس لرب العالمين ورفضه السجود لابينا ادم عليه السلام والذي يعتبر اول خرق للقانون الالهي وبدأ الصراع بين الخير والشر ونتجت عنه جميع الشرور والمصائب في الخليقة الى يومنا هذا. فعندما يخطئ المواطن الاعتيادي فأنه سيتحمل مسؤولية خطيئته وغالبا ما تكون اثارها محدودة اي لا تتجاوز حدوده هو او من هم قريبين منه. ولكن تكمن المشكلة فيما لو ارتكبت هذه الاخطاء من قبل الدولة فهي تعتبر حامية وصائنة للقانون (وبتخويل من الشعب) وغالبا ما ترفعه شعارا لها والبعض يتسمى به في حملاته الانتخابية وجعجعته الاعلامية , وهي ترتكب تلك الاخطاء رغم توفر جميع الوسائل والادوات التي تحول دون ذلك , الا اذا كانت تلك الادوات والوسائل مزيفة او لا تتمتع بالكفاءة والاهلية او لنقص او خلل في القانون . ان ما يحدث في العراق اليوم من ارتباك وتخبط وخطأ في اتخاذ القرارات نتج عنه استهتار باموال وسمعة وحياة ودماء الناس وذلك بسبب عدم اهلية المتصدين للحكم وفسادهم (على كل المستويات) واحاطتهم بزمرة من المستشارين المرتزقة الذين لا يفقهون شيئا في مجالات يعتبرون انفسهم خبراء فيها , الا في ملئ بطونهم بالمال الحرام وحب الظهور من على شاشات القنوات الفضائية لاستعراض العضلات وكيل التهم والسباب والشتائم للمنافسين السياسيين الذين لا يقلون عنهم سوءا. فمن العجيب ان تسمع ان السيد النجيفي والمالكي ومدحت المحمود وهم المحاطين بجيش جرار من المستشارين السياسيين والقانونيين يصدرون الاحكام والتعليمات المخالفة للقانون, ففي قضية البنك المركزي العراقي يصدر النجيفي امرا برفع الحصانة عن محافظ البنك المركزي ويحيله لهيئة النزاهة , وهيئة النزاهة وهي مؤلفة من مجموعة قضاة تصدر امرا بالقاء القبض على السيد سنان الشبيبي وعدد كبير من موظفي وموظفات البنك المركزي , والسلطة التنفيذية بزعامة المالكي تنفذ هذه الاحكام وتعمل بكل ما اوتيت من قوة و وسائل للتدخل بعمل المركزي ومحاولتها الهيمنة عليه. ولم يكلف احدا منهم او من مستشاريهم القانونيين الفلته من الاطلاع على قانون البنك المركزي ذي الرقم 56 لسنة 2004 (حيث منحت الفقرة 23 منه حصانة قانونية لجميع موظفي البنك المركزي حتى لو ثبت تقصيرهم الوظيفي وادى الى ضرر في المال العام...... ولا اعلم لماذا يتم الابقاء على مثل هكذا قانون اذا لم يكونوا مقتنعين فيه ؟ وما هي وظيفة مجلس النواب ؟ ولماذا يسكت ؟) والاطلاع على قانون مجلس الامن الدولي المرقم 1956 لسنة 2010 والذي يلزم البنك المركزي العراقي بشراء الدولار بسعر 1166 دينار وبيعه للمصارف الاهلية بسعر 1179 دينار وبأي كتلة نقدية موجودة (علما ان العراق لا زال تحت البند السابع وهو ملزم بتنفيذ جميع قرارات الامم المتحدة وان لها الوصايا الكاملة على العراق) , في حين اننا نجد ان ابسط شخص مطلع على القانون يستطيع تشخيص هذه الحقائق ويعرف ما هي صلاحيات هذه السلطات الثلاث التي اخطأت بحق البنك المركزي ونتج عن خطأها هذا ان القي بالسجن اكثر من 16 امرأة لاكثر من شهرين وشوهت سمعتهن ودمرت حياة بعضهن الاجتماعية, وقد اقيل محافظ البنك المركزي السيد سنان الشبيبي وشوهت سمعته واسيء له, واعطى فرصة للتدخل الاممي في الشأ، العراقي وسياسته المالية الامر الذي قد يؤدي الى وصاية تامة من قبل الامم المتحدة على البنك المركزي واصوله المالية ,والاكثر من ذلك هو تشويه صورة العراق ومؤسسته المالية المتمثلة بالبنك المركزي وفقدان ثقة باقي البنوك العالمية به وبعمله مما قد يؤثر على استثماراته وتعاملاته المصرفية المستقبلية ونحن باشد الحاجة في الوقت الحاضر الى استقطاب رؤوس الاموال والمصارف العالمية للدخول للسوق العراقية والاستثمار فيها. فمن المعيب جدا هو وقوع رأس السلطة القضائية وما يتبعها من قضاة ومحققين في هيئة النزاهة في هذا الخطأ القانوني الصريح وهو من صميم عملهم. ومن المعيب جدا ان يقع مكتب رئيس الوزراء ومكتب القائد العام للقوات المسلحة باخطاء ادارية تؤدي الى هدر في المال العام (واقول هنا اخطاء ادارية رغم ايماني انه ليس كذلك وانما هو سرقة واختلاس للمال العام مع سبق الاصرار) وهو التلاعب الحاصل بسعر صرف الدولار فيما يخص مخصصات الخطورة للعاملين بهذين المكتبين حيث يحتسب سعر الصرف بمبلغ 1500 دينار في حين انه لا يتجاوز 1200 دينار للدولار الواحد في السوق السوداء والفرق الحاصل في هذه المعاملة هو اكثر من سبعة مليار دينار سنويا لا يعرف احد في جيب من ستدخل , وهذا ما اكدته تقارير الرقابة المالية والنائب صباح الساعدي في تصريحاته الصحفية. والاكثر استغرابا هو سكوت رئيس الجمهورية (والذي يعتبر الراعي الاول للدستور العراقي ) وهيئة الادعاء العام بصفتها الممثل لحق الدولة , وعدم اتخاذهم اي اجراءات تجاه هذه الخروقات والاخطاء , بل لا نجد لهم تصريحا او بيانا يدين او يستهجن مثل هكذا ممارسات (رغم ان البيانات والتصريحات غير مقبولة منهم لان المطلوب منهم التدخل والوقوف بوجه هكذا ممارسات خاطئة ان كانوا يعلمون ذلك.. وهو اضعف الايمان..) فهذه الاخطاء (اسميها اخطاء تنزلا ) ادت الى حدوث فساد كبير واستهانة بحقوق وارواح المواطنين وهدرا كبيرا في المال العام.. فاخطاء الدولة لا تغتفر فكلكم راع ومسؤول عن رعيته فاذا فسد الراعي فسدت الرعية. |