دكتور يرفض تعليمي كلمة واحدة

 

حينما يطالع الفرد العنوان أعلاه يشعر ان هناك تلاعبا في مكان ما من حيث الصياغة اللغوبة أو أن هناك شيئا غير طبيعي له علاقة في المنظومة الفكرية لطرح الفكرة على طاولة البحث والتنقيب من أجل توضيح تلك الصورة بمفهومها الجدلي الواضح المعروض للنقاش. تتلخص الحكاية أن دكتور باسم الحاصل على شهادة الدكتوراة من أرقى الجامعات ألأمريكية في ذلك الزمن الذي وقعت فيه الحكاية . كانت السنة 1978 هي السنة ألأولى لدراستي اللغة ألأنكليزية في كلية ألأداب جامعة بغداد. كنتُ منفعلاً لحصولي على ذلك المقعد الدراسي باجتهادي ودراستي الطويلة في البكلوريا دون أن أغش كلمة واحدة في أي مادة. كنت أشعر كمن يمتلك السماء وألأرض في قبضةٍ واحدة..متلهف لتعلم أي شيء فيما يتعلق بهذه اللغة. عشرات ألأحلام تراودني منذ اليوم الاول لشروع الدراسة المنهجية. خارج دائرة الدروس المنهجية المقررة بدأت أشتري روايات عالمية إنكليزية لمشاهير الكتاب وأنكب على تلك الروايات أستكشف تعابير وكلمات لم أسمع بها من قبل طوال عمري الفتي. وجدت كلمة لم أفهم معناها وحاولت التنقيب عنها في القاموس الصغير الذي أحمله معي كهويتي الشخصية –  ليلا ونهارا- ولم أعثر على معنى لها. ياإلهي ماذا أفعل؟ حتى القاموس لايعطي معنى لها. لم أكن أعرف في ذلك الزمن أن هناك كلمات كثيرة لانجدها في القواميس كون تلك الكلمات عامية ليس لها وجود في القواميس . شاهدت الدكتور باسم في المكتبة فأستبشرتُ خيراً ” ..أستاذ لم أجد معنى هذه الكلمة . .ممكن تخبرني عن معناها فضلاً وليس امراً؟” لم يدقق ألأستاذ في تلك الكلمة إلا لحظة واحدة فقط وقال بصوت تهكمي ” ..إبني إترك هذه الكلمة لاتفيدك في دراستك” . إستدار الى الجهة ألآخرى وراح يطالع في الكتاب الذي كان يطالعه قبل قدومي إليه. بقيت في مكاني وكأن الطير على رأسي لاأعرف ماذا أقول. هل أصرخ به باعلى صوتي أم أهرب من هذا الشخص المدعو الدكتور باسم. كانت الدماء تغلي في عروفي وتمنيت بكل رغبة أن أنقض عليه. هل يعقل هذا؟ هل هذه كلية أم روضة أم أول إبتدائي؟ تمنيت في تلك اللحظة أن تكون لدي صلاحية سلطوية كي أنتزع منه شهادته وألقي به في غياهب السجن كي لايكرر هذه الحالة مع طالب آخر. في اللحظة التي خرجت فيها من المكتبة شاهدت طالبا صوماليا إسمه –  إبراهيم عبد الله – حكيت له كل شيء. ضحك بأعلى صوته وهو يقول ” ..إنها تعني الممارسة الجنسية ” وراح يضحك بلا توقف. نظرت اليه مبتسما ” هل تعرف هذه الكلمة؟ لكنها غير موجودة في القاموس؟” . شرح لي كل شيء عن هذه الكلمة التي أصبحت بعد تلك الحادثة شيئاً تافهاً. الشيء الذي دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو ليس الدكتور باسم ولا تلك الكلمة التي اصبحت أسمعها عشرات المرات في ألأفلام وروايات لاتعد ولاتحصى ..ولكن تلك النظرة الضيقة التي كان ينظر اليها مجتمعنا المنغلق البعيد عن كل شيء يتعلق بالجسد في حين أن البغاء كان منتشرا بصورة سرية في مناطق قريبة من الكلية التي كنا ندرس فيها. أنا لاأعرف هل أن الدكتور باسم لم يرتكب خطيئة طوال دراسته في أمريكا وبالتالي تحول الى رجل متق من الدرجة الاولى ويحاول في تلك اللحظة أن ينقذ شاباً جاء من قرية بعيدة كي لايقع في إثم تعلم كلمة جنسية؟ أكثر من أربعين عاماً مرت على تلك الحادثة لكنني أتذكرها في كل لحظة وأحقد لا بل أحتقر تلك الدولة العملاقة التي تخرج منها الدكتور باسم كي يعود للتدريس في كلية ألآداب ويرفض تعليمي كلمة واحدة إسمها –  فَكْ-