خطوة منتظرة نحو محاربة الفساد |
تعد مكاتب المفتشين العموميين في الوزارات، جهازاً رقابياً مهماً يتابع اداء السلطة التنفيذية في حدود المسؤولية الموكلة اليه، لكن الضغوطات التي يتعرض اليها هذا الجهاز من الوزير وبعض القوى المتنفذة الداخلية، تجعل اداء واجبه مهمة عسيرة جداً. وقد رأيت في وقت من الاوقات ان وجود هذه المكاتب يعيد الى الاذهان حقبة تم خلالها وضع مكاتب حزبية في الوزارات لمراقبة نشاطاتها والتقاطات بعض الاسرار التي تتعلق بالوزير شخصياً وباداء موظفي الصف الأول، وأرى ان وجودها غطاء ثقيل يعوق روح المبادرة لدى عموم الموظفين ويمنع الوزير من اتخاذ قرارات عاجلة تتطلبها الضرورة، وعملياً فان تجربة مكاتب المفتشين العموميين لم تكن سارة ولم تحقق أهدافها وسرعان ما تم اكتشاف تقاطعات بين الوزير والمفتش العام، لاسيما اذا كان الثاني جاداً في مهمتة وكان الاول فاسداً ينوي تعظيم ثروته أو الحصول على منافع شخصية من عقود أو اقامة علاقات تكتنفها الشبهات. وأدت التقاطعات احياناً الى صدامات انتقلت شظاياها الى الرأي العام، وانشغلت امانة مجلس الوزارة بتفاصيلها، بل وتطاول بعض الوزراء على صلاحيات المفتشين مثلما عمدوا الى تعيين اقارب لهم أو اصدقاء من كتلهم البرلمانية فيها، وهو اكبر الخطايا التي تعكس محاولات تواطؤ يسعى اليها الوزير وعمليات (طمطمة) لفساد يزكم الأنوف. ان اهمال هذه القضية أو تركها سائبة، أسهم في اتساع ظاهرة الفساد الاداري والمالي، كما ان ضعف بقية حلقات المنظومة الرقابية، كهيئتي الرقابة المالية والنزاهة العامة، ادى استشار الفساد وتمادي الوزراء في التجاوز على المال العام واهدار فرص ترجمة برامج الحكومات المتعاقبة. كما ان شيوع ثقافة (انصر أخاك ظالماً ام مظلوم) عزز الاعتقاد بامكانية الافلات من المحاسبة والوقوع تحت طائلة القانون. وربما كان ضعف كفاءة المفتشين الذين يتم اختيارهم بالمحاباة والمجاملة، عاملاًً اكثر وضوحاً في فشل هذه التجربة التي وضع فكرتها وخطوطها العريضة المستشارون الامريكيون، ابان حكم الادارة المدنية لبريمر. وبحسب مصادر رفيعة نقلت عن هؤلاء المستشارين ندمهم على وضع آليات عمل المفتشين تحت تصرف الوزراء بدلاً من جعلهم يتمتعون بهامش واسع من الاستقلالية، اذا ما تم إلحاقهم برأس منظومة الرقابة على الاداء الحكومي كالبرلمان أو هيئة النزاهة. ومادمنا امام فرصة مفترضة للاصلاح، لا بأس بل من الواجب، ان يشمل برنامج الاصلاح الشامل، معالجة وضع مكاتب المفتشين العموميين وتصحيح الاخطاء الجسيمة التي رافقت مسيرة هذا الجهاز. ولعل أهم ما يحث على تحريك الروح فيه، كما نظن، هو فك ارتباطه بالوزير والحاقه بهيئة النزاهة، فذلك كفيل بتحقيق استقلالية الاداء والاختيار، وجعل المنظومة الرقابية تسير بحلقاتها التكاملية. اننا نفترض ذلك من أجل رفع هذا الجهاز الى مستواه الوطني، وانهاء ترهله الاداري وجعل الفائدة حقيقية من وجوده داخل مؤسسة متصارعة في المصالح والثقافات الادارية والولاءات الحزبية فضلاً عن النأي به عن اي مساع للاغراء والتبعية. كما نفترض وجود نوايا مخلصة في ترجمة الاصلاح الاداري والسياسي الذي تحوّل الى مطلب وطني مشترك وشامل، وهي فرصة لدعوة البرلمان، بوصفه السلطة التشريعية والرقابية العليا، الى اصدار قانون يواكب جهود وخطط القضاء على الفساد، ينص على تابعية مكاتب المفتشين العموميين الى هيئة النزاهة التي يدفع رئيسها حسن الياسري الأمور، حالياً، نحو ملاحقة كبار المرتشين وجامعي الثروة الحرام وملاحقة الفساد، بشقيه الكبير والصغير. |