الناصرية والسوق وروح سيد سعد بنيان




( الى صديقي الدكتور طالب سيد سعد بنيان )

1

يعرف البسطاء في الناصرية أن المرحوم سيد سعد بنيان من خلال سوق بناء في قلب المدينة .

والمثقفون يعرفونه تاجرا ومثقفا ومكتبي ، وله مجلس من رغبة الكلام فيه ثير التواريخ أيامنا منذ أبراهيم وآتون الحطب ، وحتى اهدائي لروحه ( العلوية ) كتابي ( الناصرية مدينة الأنبياء والفقراء ).

فأسمعه في همسة التوقيع يقول : هي درتنا والمكان المخبئ في القلوب .

هي طيف برحية في حديقة بيت .

وهي الصلاة الواجبة كلما انهالت الدموع بالذكريات.

أودعه وأنا لا أعلم أني لا أراه .

ويودعني وهو يعلم أنه سيراني في كتابي .

أتخيل في صدى ما يجول بأيامنا .

خواطر السوق ...

والفقراء .

بائعات الخضرة .

ومقهى الشاي السيلاني .

والأراجيل .

وفتنة البرتقال في واجهة دكان عطوان ..

وصاحب المطعم .

ومصلح ساعات الرادو ...

ومسجلات الفيليبس.

وصغار بين داربين السوق يحملون قراءات المدرسة واكياس النايلون.

وواحدة تقرقر عن كوابيس حلم أن زوجها تزوج ثانية عليها ...

وأشياء اخرى ..

وفي الركن هناك .

سيد سعد بنيان أتخذ واحدا من الحوانيت مكتبا له ...

يتأمل فيه بسطاء الناس ...

ويقرأ في موسوعة عن حرب هتلر ...

وحين ازور المكتب أنا والغائب أبي ( الحوراء ) طلال عبد الحميد

لأن ابيه صديق السيد ومحاسبه في جباية ايجارات السوق.

ونناقشه عن تلك الحرب.

يخطئ معلوماتنا ...

ويكون متزمتا في الرأي ...

فنناقشه اكثر ...

وفي الاخر نكتشف أنا نقرأ التاريخ مقلوبا .

وهو يقرأه بدقة زنبلك الساعة.



2

مات سيد سعد بنيان ...

الرجل الذي أبقى في المدينة عطر ثقافة ما يقرأ

مات ...

وفي السوق هناك مدينة ...

وتواريخ لأجيال ...

حفظت الاسم على ظهر القلب

دونته مكاتيب الجنود

رسائل العاشقين

مآتم الحسين ...

ودفاتر اليسار وشمس النهار..

فالسوق دولة ..

ورئيسها سيد بركته في ركن صغير ..

ومن خلف سواد نظارتيه..

يتحرك المتسوقون مع ابتسامته...



3

الرجل الورع ...

والمنتصب بعمره الطويل ثقافة الكتاب .

تمازجه أحلام زقورة ...

واشتياق مزارعه ....

ونضارة ما يسكننا في بهجة ما ترك.

حديقة الذكريات التي أسمها ( سوق سيد سعد )



4

أتأملُ آخر صورة لي معه ..

فأشم راحة ليل المدينة.

هوى الحبوبي

ووسامة محياه ..

ونبل عباءته ..

وأتذكره في قراءته للسفر الروحي لمملكة أور ..

فيقول ( بناها ) الوالي العثماني ..

وأدام حياتها ناصر باشا السعدون .

ونحن نتنفس عطرها الآن

باب معبد ...

وأيقونة مرثية للسجاد..

وحلم بلاد ..

كلما هاجر ابناءها ...

في جوازاتهم ختم مميز عن كل المطارات...

حدود قلوبنا في شوارع السوق...



5

ثنائية السوق والرجل ...

هي ثنائية العطر والعباءة .

ثنائية العصافير وصباح البسطيات...

ثانية بهارات العطار وحنين الشوق الى وطن .

مزق الجنوب فؤاده بالأغاني فصار مواويل شهداء .

فيا هذا المتسع من قلبك سعد بنيان ...

السيد الطيب...

الراقد في قبر ذكريات طفولتنا ...

الشامخ في ساحة حروب المكان ...

هو السوق سوقكَ .

ونحن المتبضعون



6

والآن وقد شتتنا المهاجر طيرٌ ومنفى.

لم يعد للسندباد سوى الحكايات.

سوق في القلب .

والسيد في ثرى الغري...

وأور التي تزعجها الطائرات ...

بيتها معول اثري ونبي

والناس هناك..

أهلها .

احبابنا ...

عشيقات سحر مراهقتنا ..

والسينمات..

والرصيف..

كلها في مرايا السوق

ضحكتكَ

ودمعتكَ..

وأبناؤكِ

وأحفادكَ

وعقالكَ العربي.........!