الأمريكيون.. هل يتركون العراق وقد أنقلبت الطاولة على رؤوس الجميع؟ |
السؤال الذي يراود مخيلة ملايين العراقيين، نخبا ومسؤولين وقطاعات شعبية ، وحتى قادة دول في المنطقة هو : هل يترك الاميركيون العراق تعبث فيه الفوضى وياكل جرفه الإرهاب ، وهو يتشظى بين ثنايا التناحر المذهبي والطائفي مرة ، وفي أخرى بين إرادات زعامات تريد كل واحدة منها ان تكون هي المسيطرة على المشهد العراقي وهي من تهيمن وتقرر على هواها؟؟!! وهل يبقى الأمريكيون يتفرجون على المشهد العراقي الدامي، لتنقلب الطاولة على رؤوس الجميع، أم ان هناك ( تحركا ) جديا وفاعلا، يحاول انتشال العراق من ازماته الخانقة؟هناك جملة مسلمات لابد من تحديد توجهاتها بالنسبة للموقف الامريكي من العراق ومن مواقف قوى سياسية عراقية ، هي من أوصلت الوضع الى هذا المشهد التراجيدي الغارق في المأساوية ، يمكن تأشير ملامحه وفقا للتوجهات التالية:1. إن الأمريكيين يتحملون القسط الاكبر من اقامة حكومات فاشلة في العراق ، وهم واداراتهم المتعاقبة كانت تريد ايصال الوضع العراقي الى حالة الاحتراب والتصارع المستمرة ، واوصلوا العراق الى هذه الحالة المأساوية التي لايحسد عليها، وهم في أغلى درجات الثمالة ، لما تحقق لهم من آمال وطموحات في أنهم قضوا على أية معالم قوة ونهوض في هذا البلد، وهم يتحملون ، أمام التاريخ ، ما حل بالعراق من احتلالات ونكسات وانتكاسات وآلام ومصائب ، وما وصل اليه البلد من أحوال تسير به الى المجهول!!2. ان الصمت الامريكي والتجاهل شبه التام لاوضاع العراق وعدم التدخل الايجابي لايقاف نزيف الدم وحالة التصارع وعدم فاعلية سفرائه في العراق ولامبالاتهم وعدم اكتراثهم لخطورة اوضاع العراق ومايجري فيه من تناحرات وما يدور فيه من أهوال ، والتخبطات في ممارسات القيادات التي تولت السلطة في هذا البلد ، والفشل المستمر لمن تربعوا على عرش العراق ، يطرح الكثير من علامات الشك والريبة والتساؤلات المريرة عما اوصل الامريكيون اليه العراق من أحوال متدهورة وبلد متهالك ليس بمقدوره الوقوف على قدميه مرة أخرى، وكأن الامريكان يتجاهلون أدوارهم عن عمد بعد ان تفرغوا لانتخاباتهم المقبلة وأداروا ظهورهم للعراق ولمأساة شعبه وتركوه وحده يلعق جراحه ، ولم نر تدخلا ايجابيا فاعلا ومسؤولا يضع حد !!3. ان صم القادة الامريكيين آذانهم عن تصارع ارادات الزعماء السياسيين العراقيين وتقاتلهم فيما بينهم ، كل يريد ان يفرض سطوته على هواه ، دون حساب للعواقب المحتملة على ما تبقى من عراق ممزق متصارع، يشكل جريمة إبادة ليس بحق العراق وشعبه فحسب ، بل جريمة بحق الانسانية جمعاء ، وتبدو الولايات المتحدة تتفرج على المشهد العراقي، بالرغم من انها هي المسؤولة الاولى وتتحمل القسط الاوفر والأكبر لما حل بالعراق من كل كوارث وفوضى وحالات فشل وإخفاقات مريرة من قبل القيادات التي اختارتها هي لحكم العراق تحت اطار لعبة الانتخابات المزيفة، لتشكل حالة غريبة من نوعها وبهذه الطريقة المأساوية ، وتركت العراقيين كشعب ونخب وبقايا مؤسسات دولة بلا تدخل يمكن ان يعيد حالة التداعي الى بعض حالات استقرارها ، ولم تتدخل ايجابيا بما يمليه عليها واجبها كدولة محتلة ووصية عليه ان تتحمل القسط الاوفر من ان يكون لها دور ايجابي في اعادة رسم تلك المعادلة التي تأرجحت كثيرا وكأنها لاتبالي بمخاطر وعواقب مايجري ان لم تكن شريكة في وصول العراق الى تلك الحالة التي يرثى لها وتتحمل عواقبها امام الله والتاريخ وستلعنها الاجيال العراقية المتعاقبة لما اوصلت العراق الى تلك الحالة من التفكك والانحلال وسيادة اجواء الفوضى والاحتراب، حتى بين حلفاء الأمس ومن وضعتهم على رأس السلطة في العراق، ولم ترشدهم الى السبيل الأمثل للخلاص من المأزق الذي اوقعتهم واوقعوا انفسهم فيه، ولا دلائل على ان العراق يشفى من أمراضه العليلة وعقده المستعصية على الحل، لكون الامريكيين قد تعاملوا معه باكتراث وعدم شعور بالمسؤواية ازاء نظام سياسي هم من اقاموه وهم انفسهم من يتفرجون على خرابه!!4. أما الأمم المتحدة وممثليتها في العراق ، فلم ير منها العراقيون خيرا، ولم تتدخل المنظمة الدولية ولا ممثليها في العراق، من منطلق مسؤوليتهم الأخلاقية ، بما يكفي ، في ان يعينوا شعب العراق على التخلص من أزماته وبقي دور الامم المتحدة هامشيا وسلبيا احيانا ، ولم تلعب الدور المنوط بها وفقا لقوانين تلك المنظمة التي يفترض ان تقوم بها لكي تعين العراقيين في التغلب على أزماتهم، وما قدمته من جهود على استحياء كان مخجلا جدا، بل ويشكل بالنسبة لكثر من العراقيين صدمة مروعة اثقلت كاهلهم يوم تحولت مواقف تلك المنظمة الى تابعة ذليلة تنفذ ارادات سياسات دول كبرى وبالأخص الولايات المتحدة، على حساب مصلحة شعب كان من اوائل المنظمين الى الأمم المتحدة ، ولم يحالف العراقيين الحظ في ان يكون لدى المنظمة الدولية ممثل ينصفهم ويوصل رسالتهم ومطالبهم العادلة، وبقي ممثلو تلك المنظمة وسفراءها أشبه بمتفرجين وساعين الى الظهور في الأضواء ، من ان يكون لهم دور محوري وفاعل، وهم تركوا العراقيين يلعقون جراحهم غير آبهين لما تعرضوا له من محن نزوح وتهجير وقتل وترويع وضياع مستقبل بلد ، ولم يحذروا الجهات التي تظلم ابناء جلدتها او يوقفوا التجاوزات الخارجة عن القانون او يدخلوا طرفا ايجابيا في نصيحة اقطاب السلطة لكي يوقفوا فسادهم وتركوا العراق في مهاوي الضلالة تجره محن التصارعات والاقتتال الداخلي والتصارع بين زعاماته السياسية، ولم توقف كبار قادة السلطة او تردعهم عند خروجهم على الثوابت والاتفاقات السياسية والقيمية التي وقعوها ومن ثم تجاوزا عليها بعد فترة وجيزة وضربوها عرض الحائط غير مبالين بمحنة شعبهم وما آل اليه مصير العراق من تمزق وتناحر واحتراب وفوضى وشيوع الفساد وتفشيه في كل مفاصل الدولة والمجتمع، ولم يتم اعطاء المكونات الأخرى أية حقوق ان لم يكن قد واجهت من التهميش والإلغاء لدورها وتم سحق تطلعات جمهورها وتوجيه مختلف اشكال الاذلال والاهانات لهم ولم يمنحوا أي دور في المشاركة بالسلطة وبقي دور قادتهم هامشيا ، وكانهم ( خراعات خضرة ) كما يقال في المثل العراقي ، وكان دور الأمم المتحدة أكثر من سلبي بل وخطير في انها كانت شريكة بطريقة أو بأخرى في جريمة ابادة شعب وتعريض مستقبله لمخاطر لاتحمد عقباها.5. لم تبال الولايات المتحدة ولم تعط للتدخلات الاقليمية في الشأن العراقي قدرا من الاهتمام يوازي خطورة هذا التدخل، وكان كثير من قادة العراق السياسيين يشكون من التدخل الايراني في كل شؤون العراق حتى ان (البعض) منهم يرى ان ايران تتدخل في كل صغيرة وكبيرة ، بل ولها من وجهة نظر كثيرين ( سطوة ) و ( حظوة ) لم تحصل عليها حتى الولايات المتحدة التي هي من أقامت نظامه السياسي وهي من ساعدت في تنصيب الزعامات العراقية وهي من ساعدتها على ان شيوع اجواء الدكتاتورية والتفرد بالسلطة، وكان تدخل ايران يسير بنفس المنحى في انها تركت من يواليها او اعتقدت انها ساعدته في الوصول الى السلطة ليكون مواليا لها على طول الخط، ان لم تحظ إيران بنصيب من الاهتمام والتدخل في الشأن العراقي يوازي بل يتفوق على التدخل الامريكي في العراق، ان لم يكن الولايات المتحدة قد تراجع دورها كثيرا في العراق وراحت تعامله بلامبالاة وعدم اكتراث لحالة التصارع والتفرد بالسلطة ونهب الاموال وربما كانت شريكة في اشاعة اجواء الفساد وهي من غرسته بين اقطاب السلطة وشجعت عليه، لكي يصل حال العراق الى أكثر دول العالم تفشيا في الفساد ومثالا على حالة الفشل الذريع لأقطاب السلطة التي يعترف الامريكيون انفسهم في انهم بنوا نظاما فاشلا في العراق، وهم من كانوا يشجعون الحاكم على الغطرسة والتمترس خلف واجهات السلطة، ولا يضعون له الروادع والكوابح عندما يخرج عن الدستور وعن الاتفاقات السياسية ويضرب بها عرض الحائط، حتى مع أقرب المقربين من شركائه، فكيف بالأبعدين!!6. ان ما وصلت اليه احوال العراق الان والتمترس الذي تفشى بين قيادات السلطة وبخاصة بين قيادات التحالف الوطني الحاكمة ، وكل يريد فرض وصايته بالطريقة التي تخدم توجهاته، دون حساب لمخاطر ما يقد يحل بالبلد من فوضى واضطراب، ودون تدخل أمريكي واضح ، وغياب شبه تام لدور الأمم المتحدة في العراق ، يشكل بالنسبة لملايين العراقيين خطرا مقلقا يهدد مستقبل شعبهم ويعرضهم جميعا لمخاطر النزوح والهجرة وتجدد حالات الاقتتال والتنازع بين أقطاب السلطة، وبخاصة ان هناك جماعات مسلحة كل لديها أتباعها هم من يشكلون مصدر التهديد المرعب لشعب لايتمنى ان تصل أحوال البلد الى هذه الحالة المأساوية المرعبة، وهم يتمنون تدخلا أمريكيا قويا يضع حدا لكل من يريد ان يخرج عن الحدود المسموحة ويشجع حالة الانفلات والفوضى وعليها اقصاء القيادات التي أثبتت فشلها ولم تلب طموحات شعبها وتمترست خلف كراسي السلطة ، ان يجد العراقيون وقد اتخذ الامريكيون موقفا أكثر عقلانية هذه المرة بما يحفظ بقية هيبة العراقيين وبقية وحدتهم ولا يسيروا بالبلد نحو التقسيم والتشرذم كما يبشر بعض قادتهم الأمنيين قبل فترة بأن العراق لن يعد له وجود على الخارطة في قادم الأيام وان يتخلوا عن هكذا طروحات غير مسؤولة ويساعدوا العراقيين على لملمة جراحاتهم ووقف سفك دمهم وضياع اموال شعبهم وهي بمئات الميارات من الدولارات، ويسهموا في استقرار هذا الشعب، بأن يجلسوا مع حكماء العراق الحقيقيين من كل الطوائف والاعراق ويضغطوا على كبار الساسة لكي لاينخرطوا في لعبة حرب اهلية ، حتى بين اطياف الكيان الواحد ليكون العراقيون وقودها هذه المرة، ومن ثم تنتشر كالنار في الهشيم ليتسع نطاق التصارع والاقتتال بين طوائفه وأعراقه، ومع هذا تبقى الولايات المتحدة تتفرج على المشهد التراجيدي العراقي، وما يريدوه العراقيون تدخلا مسؤولا هذه المرة قبل ان تقع الفأس في الرأس كما يقال، وتخرج الاوضاع حتى عن سيطرة الأمريكيين ان بقيت مواقفهم على هذه الشاكلة من اللامبالاة!!7. ان على النخب العراقية المثقفة ان لاتقف هذه المرة موقف المتفرج وان يكون لها حضور مؤثر، وغيابهم يشجع كل من يريد ان يتمترس خلف واجهات التهديد المختلفة ليفرض سطوته كما يشاء، وان دورهم مهدد الان اكثر من أي وقت مضى، ليعيدوا تنظيم صفوفهم ويدعو المجتمع الدولي والولايات المتحدة على وجه الخصوص ليكون لها موقف مسؤول هذه المرة، واقامة نظام سياسي جديد يمهد لانتخابات مبكرة في القريب العاجل، وينهوا حالة الفوضى والاحتراب، وتعديل الدستور المعبأ بالألغام ، وان تمنح الحرية للعراقيين في اختيار النظام السياسي الذي يرغبون بعيدا عن اجواء التسلط، بل ان الدكتاتورية تفشت في العراق في ظل نظامه السياسي الحالي، بشكل خطير ويدعو للرثاء، وعلى الامريكان ان يعيدوا تصحيح المسار السياسي الخاطيء والمرتبك الذي أقاموه في العراق ، وياتوا بأناس لديهم مخافة الله وهم من اصحاب الكفاءات غير الملطخة اياديهم بدماء او فساد، ليقودا البلد من جديد، وان يعترف الأمريكان بأن النظام السياسي الذي أقاموه قد فشل بإمتياز، وعليهم تجريب نظام سياسي وطني من نخب وكفاءات عراقية ، وتضعهم تحت المراقبة لكي لايعيدوا انتاج نظام فاسد هذه المرة، ولكي لايكتوي العراقيين مرة أخرى بانظمة الجور والفساد والاستبداد والطغيان والفشل المريع، عندها قد يعود العراق الى بعض عافيته ويشفى من أمراض الطائفية ووبائها المستشري، وليلعن العراقيون ايامها المرعبة، وليودعوا تلك الحقبة المظلمة السوداء الموغلة في الوحشية والفوضى والعبثية ، وليعود العراق القوي المقتدر الذي لايشكل مصدر تهديد لأحد في يوم من الأيام.8. كان العراق والى ماقبل اعوام 2003 ، حسب رأي كبار الساسة والمختصين ، بضمنهم خبراء غربيين ، يشكل عنصر ( التوازن ) في المنطقة، وهو من أسهم في إستقرار المنطقة والعالم، أما اليوم فالعراق يشكل مصدر رعب للعالم وهو من يهدد إستقرار كل دول المنطقة ويمكن ان يصل وباءه الى دولهم، والمطلوب اعادة فاعلة لستراتيجية أمريكية مسؤولة تضع اخطاءها الكارثية في الاعتبار، وان تعيد العراق الى ممارسة دوره الوطني والعربي والإقليمي كعامل إستقرار وطمأنينة لشعوب المنطقة وقادتها، وان ( الخطيئة الكبرى ) التي إرتكبها الأمريكان في العراق يوم أخلوا بمعادلته السياسية وتركوا الحبل على الغارب، هو من أدخل المنطقة في متاهات الفوضى والاضطراب ، وهم من شجعوا أجواء ( الفوضى الخلاقة ) حسب نظرية غونداليزا رايس المشؤومة لتتحول الى فوضى عارمة أحرقت ألاخضر واليابس ، ومن نتائج سياسات الفوضى الخلاقة داعش ومثيلاتها من الجماعات المسلحة التي تنشط في الساحة العراقية وهي من تفرض سطوتها على الجميع ، وان السياسة الأمثل للولايات المتحدة هو في اعادة بناء عراق خال من الاحتراب تحترم كرامة شعبه، ويعاد بناء محافظاته المدمرة بفعل الإرهاب وإنهاء سياسات التناحر المذهبي والطائفي، ويتم بناء معالم دولة تقوم على نظام مؤسسي محترف، وإقامة دولة مدنية متحضرة، تسود فيها أجواء القانون والنظام وتتم مغادرة الدكتاتورية وسيادة قانون الغاب، وطمأنة دول المنطقة من ان العراق الجديد لم يعد يشكل مصدر ( تهديد ) لدولها، عندها نكون قد بنينا معالم اول دولة تحترم شعبها أولا وتحترم سيادات الدول، وتقيم علاقات متكافئة مع جميع دول المنطقة والعالم قائمة على احترام الارادات والمصالح، ويكون العراق قد سار على أول دروب النجاح التي يمكن ان تعيده ليحفظ أمن المنطقة وإستقرارها، وان يكون عنصر التوازن الحقيقي، فبدون العراق لن يكون هناك أمن إقليمي ولا إستقرار حقيقي ، ان كانت الولايات المتحدة ودول الغرب تبحث عن استقرار حقيقي هذه المرة، وعندما تسمح هذه الدول الكبرى للعراق ان يعيد حالة ( التوازن ) الى منظومته ، عندها يكون العالم كله ومنها دول المنطقة قد سارت نحو إرساء معالم الأمن والطمأنينة والإستقرار، ولنودع زمن الأنظمة الدكتاتورية الفاشلة الى غير رجعة. |