التعليم في العراق.. التطوير المطلوب والأهداف الغائبة |
نظريات واستراتيجيات التربية تطورت كثيرا في السنوات الماضية ،وتحول التعليم إلى ساحة كبيرة وواسعة تواكب متطلبات العصر من جهة وتواجهها من جهة ثانية ، خاصة إذا ما أدركنا بأن التعليم ليس نظريات فقط بل هو بيئة ونظم وقوانين تتحكم به ومن شأنها أن ترفع من مستواه نحو الأفضل بالشكل الذي يؤمن نجاحه. واعتدنا نحن في العراق منذ سنوات طويلة على أن نطرح الأفكار ونجعل من مدارسنا حقل تجارب ،وحين تفشل تجربة نستعين بتجربة أخرى ونوفر لها مقومات الفشل هي الأخرى لنجرب غيرها . ونحن هنا لا نريد أن نستعرض التجارب التربوية الفاشلة التي مررنا بها في العقود الماضية ، وبعضها لازلنا متمسكين بها أيما تمسك رغم أضرارها الكبيرة . ووجدت في الآونة الأخيرة ثمة أفكارا جديدة تطرح في الشأن التربوي تتناغم وما يتداوله الوسطين التعليمي والتدريسي، أي انه يمثل رغبة في تطوير التعليم وإحداث نقلة كبيرة في هذا الميدان ، وهنالك تطور ملموس في مناهجنا التعليمية وعلينا أن نستثمر هذا في إنجاز الخطوات الأخرى التي لا تقل أهمية عما تحقق. وعلينا أن نعرف بأن الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية مترابطة مع بعضها بعضا من حيث الهدف العلمي والتربوي ومن ثم فأن التلميذ في الصف الأول الابتدائي لن يستطيع إكمال المنهج المدرسي المقرر خاصة ما يتعلق منه بمواضيع القراءة العربية وهي نسخة معدلة من الخلدونية حيث إن العام الدراسي لا يكفي لإكمال المنهج المقرر والذي يتضمن (28 حرفاً ) والربط بين الحروف لتكوين مقطع ثم كلمة ثم جملة ، يضاف إلى هذه الحروف الحركات اللغوية المصاحبة كالضمة والكسرة والفتحة والتنوين والشدة، ومن ثم فإن المنهج المقرر يتعرض لعملية تسريع في إعطاء الحروف خاصة الربع الأخير من الكتاب بما لا يؤمن هضم للمادة العلمية وسط هذا التسارع ، ومن هنا نجد بأن معلمي الصف الثاني في العام الدراسي التالي يضطرون لإعادة قراءة الصف الأول على تلامذتهم قبل الولوج في المنهج المدرسي المقرر للصف الثاني وينعكس ذلك بالتأكيد على منهج الصف الثاني أيضا ويكون الربع الأخير منه معطلا ومرحلا للصف الثالث وقد يهمل لضيق الوقت . ولهذا نجد بأن نسب الرسوب عالية في الصفين الثاني والثالث وبدرجة أقل في الصف الرابع الذي لا يمكن عده من الصفوف الأولية لكون مواده الدراسية ومناهجه أقرب ما تكون للصف الخامس من حيث تنوع المواد والاختبارات التحريرية وخضوعه للاختبارات الشفوية التي تؤخذ درجاتها بنظر الاعتبار في نصف السنة ونهايتها في تقييم التلميذ وترحيله للصف التالي . وقد سبق لي وان اشتركت في دورة القادة التربويين عام 2005 التي نظمتها اليونيسيف بالتعاون مع وزارة التربية ، وكانت الغاية الأساسية من هذه الدورة معرفة طرائق تدريس الصفوف الأولية التي حددها منهج الدورة بالصفوف الأولى ( الأول – الثاني – الثالث ) والتعامل معها كصف واحد بثلاث سنوات ، تكون السنة الأخيرة هي سنة الاختبارات والتقييم في ضوء معطيات الأعوام الدراسية السابقة . وبالتأكيد فأن مدى نجاح هذه التجربة يتوقف على عوامل عديدة منها ضمان استقرار الملاكات التعليمية في مدارسها خلال ثلاث سنوات ، حيث إن نجاح التجربة يعتمد بالدرجة الأساس على انتقال المعلم وتلامذته من الأول إلى الثاني إلى الثالث سنويا لكي يتم معالجة مواطن الخلل والإدراك وبطىء فهم بعض التلامذة، الجانب الآخر أن يكون المنهج المدرسي معد إعدادا صحيحا لنجاح هذا المشروع ولا يمكن الاعتماد على المناهج التعليمية المتوفرة حاليا لعدم ملائمتها لهذا المقترح ، حيث يقتضي الأمر توزيع مفردات منهج القراءة العربية للصف الأول على عامين دراسيين على أقل تقدير لكي تتحقق الغاية ألأساسية من فكرة الغاء الرسوب أو ما يسمى بالصف ذي الثلاث سنوات . ومن الضروري جدا أن لا نغفل جانباً آخر مهماً جدا يتمثل بتفعيل التعلم التعاوني داخل الصف المدرسي بغية إفساح المجال للتلاميذ الموهوبين في أخذ دورهم في تنشيط أقرانهم ويكونوا عاملا مساعدا للمعلم داخل الصف الدراسي . إن هذا المشروع نحتاجه في العراق كثيرا بغية تجاوز ما يسمى بالهدر المدرسي عبر ارتفاع نسب الرسوب في الصفوف الأولية وتأثيرات ذلك على مسيرة العملية التربوية وتراكماتها والجانب الأهم يكمن في ملازمة المعلم لتلامذته سنوات طويلة يستطيع من خلالها النهوض بهم نحو الأفضل ومعالجة نقاط ضعفهم وتعزيز نقاط القوة لديهم. |