كدارس لعلم الأجتماع وبالذات مجتمع العراقي بتفرده وتنوعه ألاحظ مسألة جدا مهمة وهي أننا كأشخاص ناقمون وناقدون وحائرون ومترددون ولا نفعل شيء عملي مهم سوى الكلام وأحيانا الثرثرة, هذا الحال سجلته من خلال القراءة التأريخية والمعاشرة اليومية وليس تنظيرا أجوف ,بمناسبة الكلام حتى نكون أدق أننا كعراقيين نتفق (غالبية الناس) أن وضعنا العام بشكل إجمالي غير طبيعي وبحاجة للتغيير وبحاجة لقيادة حازمة وجادة وصادقة ,ولا نريد أن يتكرر الموقف العنيف الذي صاحب غالب التحولات السياسية في العراق لأننا من سيدفع الثمن . وهذا لأمر قد لا يكون عليه خلاف بالنتيجة أو بالسبب ولكن ما يقع الأختلاف بالتفصيلات والجزئيات والأساليب والمنهج المتبع , فعندما شرع السيد العبادي في طرح مشروعه الإصلاحي ولو بخطوط عريضة وبعناوين فقط دون التفاصيل لخصوصية العملية السياسية ذاتها التي لم تحمل رؤية كلية ولا فلسفة حكم وإدارة واضحة المعالم ,الجميع سياسيين وشعب ومثقفين وحتى من كان لا يهتم لمثل هذه الأمور أخذ يتحدث وينظر ويعترض ويسقط في الشخصيات ويشكك في النوايا دون أن نحدد البديل أو نملك مشروع مقابل حقيقي غير الكلام والكلام وحده . وكلنا يعلم أن الرجل وضع في موقف حرج وخطير وصعب إن لم يكن مستحيلا فيه أن يعمل وفقا للأصول وفي راهنية زمانية خطيرة في مفصل من مفاصل الوجود كأمة ودولة وشعب وخيارات مستلبة لا نملك فيها إلا الأستجابة أو التمرد أو مواجهة المجهول ,الموقف العام مشوش وغير مستقر لا بأتجاه معارضة حقيقية لفكرة الإصلاح ولا دعم علمي وعملي وعقلاني مؤسساتي يفصح عن تبني حقيقي للمشروع معا أو ضدا وهو يحاول منذ فترة أن يجسد رؤيته العقلانية والمستمرة والمتصاعدة في قيادة عملية تحول هادئة وأمينة بالقدر الذي تسمح به الظروف. نرى الجميع بمن فيهم دعاة الإصلاح والقوى التي يستهدفها الإصلاح ومن يعمل في ما يسمى حراك الشارع ناقم ومستهزئ وطاعن ويبشر بالفشل لا لشيء ملموس سوى أنه لا يثق ولا يريد أن تتغير الأمور إلا حين تكون بالقرب منه أو تمر ولو قليلا لرعاية مصالحه الذاتية أو الفئوية , نعرف أن المتضرر أو الذي سيتضرر من عملية الإصلاح قد يكون بهذا الوصف أو الحال , ولكن لا مبرر ولا عذر من الذي يمثل التغيير والإصلاح مكسبا له وجوابا لطموحاته الوطنية أو العامة ,وهناك أخرون ينتقدون ما عمل ويختلقون أو يستحضرون مواضيع وتفصيلات خارج القضية ولا ترتبط بها , ولماذا لم يعمل القضية الفلانية ولماذا لم يفعل التصرف الفلاني وكأن الرجل بيده مفاتيح العالم العلوي والسفلي وما بينهما . جالسون وناقدون ومنتقدون وثرثارون وهم لا يحملون حتى خطوة صغيرة في سبيل التغيير والتحول أو يحاولوا أن يتأملوا قليلا وبصبر العارف والحريص ويدعم كل خطوة إيجابية بمعزل ومفصل عن الشخصنة , نحن مع الإصلاح ومع كل من يعمل بشكل أو بأخر في هذا الأتجاه ومن أي جهة فلا يجب أن نكون خصوم أنفسنا ولا يجب أن نكون خصوم كل شيء وأي شيء وبدون أن نفعل أي شيء, أقول أن طباع الشخصية العراقية بهذا القلق وهذا التشكيك الذي يصل حد الإضطراب لا بد أن ينتبه لقضية هامة هي قضية الوعي بالظروف والتبدلات والعوامل الضاغطة والمهيمنة ,وأن يقدر كل ظرف بما فيه وما عليه . علينا أن نعي أنه ليس منطقيا ولا من الوطنية والحرص أن نتحرك بهذا الطريق الذي لا تسلكه الشعوب الحرة عادة عندما تريد التغيير الديمقراطي والحضاري بل بالأسباب والمسببات والجهد والتكاتف والمصابرة والتضحيات نكون على قدر ما نحمل من أهداف عظيمة وتطلعات كبيرة , يجب علينا كشعي يريد الحياة الحرة الكريمة ويسعى لها أن نتحول لمعادلة عقلانية سياسية وديمقراطية صحيحة ,أن نكون أما بين معارضة حقيقية وموالاة حقيقية دون أن نعارض لأجل المعارضة ودون أن نوالي لأجل المولاة حتى كل منهم يحمل دورا ومسئولية وفقا للمحددات الوطنية واسس العمل الديمقراطي , نحن نحتاج اليوم إلى بسط ونشر ثقافة العمل الجمعي العقلي المنطقي الذي يتلمس الحقائق ويتكلم عنها وليس طرح الانطباعات والأفكار المسبقة الجوفاء التي لا تغني ولا تذر .
|