ثقافة الموظف ودورها في استيعاب المراجعين.

ذات مرة طلب مني احد اصدقائي ان ارافقه في مراجعته لبلدية الناصرية كونه لديه مراجعة في قسم تنظيم المدن

وتحديدا لديه كشف سيقوم به المساح الاقدم علي شاكر الذي لم يتواجد في مكان عمله حينها...فوجدنا شيخا معمما من ضمن المراجعين الذين ينتظرون الموظف ذاته والذي كان قد تذمر بعض الشيء عن تأخير الموظف فأخذنا بمحاضرة

دينية عن الاخلاص ليذكر لنا حديثا شريفا مفاده ( الناس كلهم هالكون الا العالمون والعالمون كلهم هالكون الا العاملون والعاملون كلهم هالكون الا المخلصون والمخلصون في خطر عظيم )....وذكر ذلك بعصبية ثم ذكر اية قرانية يقول فيها سبحانه وتعالى ( وقفوهم انهم مسئولون )....وفي هذه الاثناء جاء المساح ليدخل علينا مبادرا بتحية السلام عليكم ومبادرا بالاعتذار كونه كان مشغولا في انجاز معاملات في مكتب المدير العام وانتم تعرفون ان المدير هو المرجع لنا بكل صغيرة وكبيرة.....ثم طلب من الشيخ ان يعطيه معاملته بغية انجازها فامتنع الشيخ طالبا منه اكمال خطبته التي انزعجنا منها في بداية الامر ولكنها كانت تحمل اسلوبا جميلا وساحرا في النصح وفي الارشاد وعلى حساب تأخيرنا في اكمال معاملاتنا..والمشكلة الاخرى التي ساعدت على تأخيرناهي ثقافة المساح التي جعلته يتدخل في مايطرحه الشيخ وبأسلوب لايقل روعة عن الاول....اذ تكلم الشيخ عن الاخلاص واصفا اياه بانه لطف من الله سبحانه وتعالى..قاطعه المساح قائلا ان للاخلاص فائدة عظيمة هي التفاف الناس حول المخلصين...وكم رأينا ياشيخ اناسا كانوا يهتفون بالدين وبالوطن ولم يكونوا مخلصين ثم سقطوا عن الاعين..الوطني منهم عن اعين الوطنيين..والدين منهم من اعين الدينيين.........وعن هؤلاء وامثالهم قال الشاعر........لايخدعنك هتاف الناس بالوطن..فالقوم في السر غير القوم في العلن...........وملخص الكلام ان الله سبحانه وتعالى لايتقبل من العمل الا ما كان مخلصا لوجهه تعالى........وعندما شعر الشيخ الجليل بثقافة هذا الموظف قام بتوجيه المدح والثناء له قائلا...ان ماتذكره دليل على سعة ثقافتك ورحابة صدرك داعين الله ان يجعلك من المخلصين الانقياء لخدمة المواطنين والوطن...الامر الذي شجع المساح في ان يستعرض ثقافته امام الحضور قائلا:

مادمنا في موضوع الاخلاص لابد لنا من ذكر شاهد من الشواهد التأريخية في تاريخنا الاسلامي....ان عبد الله ابن الزبير والامام الحسين عليه السلام كلاهما حارب بني امية حربا لاهوادة فيها وكلاهما قتل.....الحسين قتل في كربلاء وابن الزبير قتل في مكة لكن شتان مابين القتيلين....سيد الشهداء اصبح مشعلا وضياءا ينير الطريق للاجيال وارتفع لواءه

في كل مكان من الارض وظل ذكره يتردد على كل شفاه مؤمنة رغم مرور اكثر من 1400 سنة على استشهاده


اما ابن الزبير فقد طواه النسيان....والسبب ان الامام الحسين لم يكن يهدف الا مرضاة الله وكان يقول ( وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي وشيعة ابي اريد ان أمر بالمعروف وانهى عن المنكر ) اما ابن الزبير فكان يريد التربع على كرسي الخلافة ...وبهذا انتصر الاخلاص واندحرت المصلحية...وكل ماذكرته هو غيض من فيض ماتعلمته من والدي رحمه الله حيث كان من رواد التربية في المحافظة....وهنا قام الشيخ بتقبيل المساح وشاكرا له ثقافته الدينية وحسن استقباله ومعاملته للمراجعين