محتجزون نحن في المقاعد الخلفية

لم يبق وراءنا وراء في سجلات التقييم الدولي، وفي جداول المنظمات العالمية المعنية بأولويات ترتيب البلدان في موازين السعادة والنزاهة والتفوق العلمي والأدبي، وفي معدلات الاستقرار الذهني والخدمات الاجتماعية، والموارد المالية والقدرات الشرائية.

لم يأت تقوقعنا مع الصومال وجيبوتي ونيروبي في التصنيفات المتدنية من باب الصدفة، ولا من باب التحامل علينا، فقد جاء ترتيبنا في مؤخرة القوافل بين الشعوب والأمم، ومن دون استثناء، فكانت منزلتنا الأخيرة في التعليم الجامعي، والأخيرة في النظافة العامة وفي العناية الصحية، والأخيرة في معدلات النمو، وفي درجات الازدهار، والأخيرة في الأنشطة التجارية، وفي الإنتاج الزراعي والصناعي. لكننا جئنا في المرتبة الأولى في معدلات الفساد، وفي معدلات الهجرة نحو المجهول، وفي ارتفاع معدلات الجريمة، ومعدلات البطالة، ومعدلات التسول في الشوارع والساحات، وفي تردي الأوضاع الأمنية، وتفشي الجهل والأمية، والأمراض الخبيثة والمستعصية.

نعالج مرضانا في الهند وسوريا وإيران ولبنان. نستورد التمور الرديئة من بلدان تعلمت منا مبادئ العناية بالنخيل. نشتري الفواكه والخضروات من البلدان الجافة المتصحرة، التي تسقي مزارعها عن طريق تقطير مياه الآبار، أو عن طريق تحلية مياه البحر، في الوقت الذي تتعرض فيه مزارعنا وبساتيننا للتجريف والإهمال، بينما نقف متفرجين على هبوط مناسيب أنهارنا العظيمة، المهددة بالزوال بسبب انسداد منابعها، وتصلب أوردتها وشرايينها بكولسترول الأطيان.

نحن الآن نصدر النفط الخام بأسعار بخسة، ونضخه بكميات هائلة، ثم نستورده مرة أخرى بالعملات الصعبة، على شكل مشتقات ثانوية كالبنزين وزيت الغاز والكيروسين وزيوت التشحيم والمحروقات الأخرى.

تقلصت رواتبنا شيئا فشيئاً، وتراجعت مدخلاتنا الشهرية بضربات قاصمة وجهتنا لنا حكومتنا الحكيمة. لم تعد رواتبنا تكفي لتغطية نفقات احتياجاتنا المنزلية البسيطة. صرنا نحن الذين نصرف على مشاريع الحكومة، ونتحمل هفواتها وعثراتها، ونداري مشاعرها حتى لا تنزعج منا. نحن الذين نصفق لملائكتها المعصومة من ارتكاب الأخطاء، ونخشى عليها من التذمر من تراكم مشاكلنا الموروثة.

محتجزون نحن دائما في المقاعد الخلفية. معتكفون في المواقع التي غادرتها الشعوب السعيدة منذ زمن بعيد. عادت بنا عقارب التراجعات المؤسفة إلى كوابيس الحزن والقلق، وكأننا على مواعيد ثابتة مع أحلام لن تتحقق.