السعودية وسياسة المحاور في المنطقة |
تعد الدولة السعودية او المملكة العربية السعودية الحالية امتداد للدولة السعودية الثالثة بعد الدولة الأولى التي أسسها الجد الأكبر لأسرة آل سعود مانع بن ربيعة المريدي أواسط القرن الخامس عشر ميلادي وبعد الدولة الثانية , فقد تم تأسيس هذه الدولة على يد عبد العزيز آل سعود سنة 1319 هـ / 1902م، فأصبحت لاحقًا سلطنة نجد ثم بعد ذلك مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى أن أصبحت تحت مسمى المملكة العربية السعودية بعد توحيد جميع أراضيها في كيان واحد، وكان ذلك في 1351 هـ / 23 سبتمبر 1932م ,ومن هنا بدأت العائلة المالكة لآل سعود بحكم البلاد إلى يومنا هذا , وهي الدولة العربية بعد الهاشمية الأردنية التي يُشتق اسمها من اسم الأسرة التي تحكمها على الرغم من كون تلك الدولة تمتلك مساحات كبيرة ومناطق شاسعة وأماكن مقدسة تاريخية لها أسماؤها التاريخية التي تسمى بها على مدى التاريخ . ان الدولة السعودية لها دور تاريخي من خلال حضورها الديني ووجود الأماكن المقدسة فيها , ومنها وجود الكعبة المشرفة في مكة والمسجد النبوي وقبر الرسول الأعظم في المدينة المنورة , وفيها قبلة المسلمين حيث يتوجه مليارات المسلمين صوب الكعبة المشرفة لأداء صلواتهم الخمس مما يعنى هذا , أهمية هذه الدولة وقدسيتها لدى كافة المسلمين جميعا , إلا إن المملكة منذ نشأتها لم تتبن الفكر الإسلامي المعتدل الذي يحقق لها قبولا أكثر دينيا من قبل الطوائف الإسلامية المتعددة في العالم حيث بقيت الدعوة الوهابية دعوة دين و دوله نتيجة لتعاهد رجل الدين محمد بن عبد الوهاب و رجل الدولة محمد بن سعود أمير الدرعيه , الاثنان وأولادهم بعدهم نشروا الدعوة الوهابية و مدوا السيطرة السعودية على جزء كبير من شبه جزيرة العرب , ان هذا التبني هو عامل أساسي منح القوة والسيطرة للعائلة المالكة إضافة إلى المال الناتج عن تصدير واستثمار النفط الذي اكتشف في الأراضي السعودية 1938 م والمال الناتج جراء واردات التي تجنيها الدولة جراء أداء فريضة الحج , ان الفكر الوهابي أصبح فكرا سائدا في الدولة السعودية ما عدا قسماً من المنطقة الشرقية وان هذا الفكر سخر كل طاقاته من اجل بقاء العائلة المالك في سدة الحكم على الرغم من سوء سياستها على كافة الصعد. فدائرة الإفتاء السعودية هي اليد اليمنى التي تستمد العائلة شرعيتها وسلطانها ومنها إطاعة ولي الأمر وان الخروج عن أمره مسألة غير شرعية يحرمها الدين .أن العائلة السعودية قد اهتمت بشكل كبير بنشر هذا الفكر لا لخدمة الدين وإنما لغرض تثبيت وجودها و شرعيتها في الحكم من خلال إعطاء شرعية دينية لحكمها ولذلك نرى ان الفكر الوهابي ذا الميول التكفيرية لا يُدرس في مدارس السعودية فقط , وإنما تعدى حدودها الجغرافية من خلال قيام المملكة بإنشاء مدارس تابعة لها في شتى أرجاء العالم وتشجيع الدعاة وفتح وتمويل المحطات الفضائية لهذا الغرض وتشجيع كثير من المواطنين الأجانب للقدوم إلى السعودية لدراسة هذا الفكر , يضاف إلى ذلك الإنفاق والمنح المالية السخية لبعض الدول الفقيرة لنشر هذا الفكر , مما جعل للنظام السعودي أنصار في كثير من البلدان في العالم وشجع الحركات الإرهابية على النشوء . كلنا يعرف ان النظام في السعودية نظام بعيد عن الإسلام والسنة من خلال ممارسات العائلة المالكة وتشبثها بالسلطة وكلنا يعرف ان النظام في السعودية نظام وراثي والإسلام بعيد كل البعد عن هذا النظام في الحكم . كما انه نظام رجعي بكل معنى الكلمة فعلى الصعيد الداخلي لا زال يخنق الحريات الداخلية وعدم احترام حقوق الإنسان وخاصة المرأة فليس هنالك حق للمرأة بسياقه السيارة كمثال على ذلك وبعض فئات المجتمع الأخرى التي تتبع مذهب غير وهابي . ناهيك على سيطرة كافة إفراد العائلة على مقدرات البلد الاقتصادية والإعلامية والعسكرية فلا غريب ان تجد اغلب القنوات التلفزيونية ذات الاتجاهات المختلفة من أقصى اليمين الى أقصى اليسار هي ملك لبعض إفراد العائلة المالكة ناهيك عن الفضائح الكثيرة التي تُكشف ويُعلن عنها والتي لها صلة بتلك الأسرة ,هذا جزء من ممارسات العائلة على الصعيد الداخلي وما اخفي أكثر وأمر , اما على الصعيد الخارجي فالحكومة السعودية موغلة بتوجهها الرجعي خاصة في فترة الخمسينات والستينات أيام نشاط الحركات التحررية , فكانت مرتبطة ارتباط وثيق بالأجندة الغربية وتعمل بالسر والخفاء ضمن مخططاتها , ولا زالت للآن ملتزمة بهذا النهج . وان السعودية الآن تلعب دورا كبيرا في العالم العربي والإسلامي ومارست دور الشرطي الأمين لمصالح الغرب والحفاظ عليها في المنطقة وقد زاد هذا التعاون وأتخذ طابعا خاصا جديدا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي . وسبقه التعاون السعودي الغربي في أفغانستان لطرد الوجود السوفيتي في هذا البلد ودعم المنضمات الجهادية المتطرفة ومدها بالرجال والمال مثل طلبان والقاعدة قبل ان يتحول قسم من هذه التنظيمات للعمل ضد المملكة العربية السعودية من خلال الإعمال التفجيرية والقتل في أراضي المملكة .ان حكام آل سعود دائما يشعرون بالخطر من اي حركة تحررية او ديمقراطية او إي تجربة عربية خاصة اذا كانت في بلد قريب من الحدود السعودية وتحاول إفشالها في المهد وان لم تقدر تحاول زرع الفتنة والتفرقة وخلق النزعات بواسطة خبرتها وأدواتها وإمكانياتها المالية في هذا المجال , لكون الحكومة السعودية هي صاحبة أطول تجربة في الحكم في العالم العربي وأكثر تنسيقا مع المخابرات الغربية وعلاقتها الوثيقة بها ,وتمتلك جزءاً كبيراً من تجربة هذه الدولة واكبر دليل على التدخل السعودي في البلدان ومنعها من التغير هي وقوفها ضد الحركة التحررية لتغيير نظام الحكم اليمني حيث ثورة 26 سبتمبر أو حرب اليمن أو حرب شمال اليمن الأهلية هي ثورة قامت ضد الامام محمد البدر حاكم المملكة المتوكلية اليمنية في شمال اليمن عام 1962 وقامت خلالها حرب أهلية بين الموالين للمملكة المتوكلية وبين الموالين للجمهوريّة العربية اليمنية واستمرت الحرب خمسسنوات 1962 – 1967وقد سيطرت الفصائل الجمهورية على الحكم في نهاية الحرب وانتهت المملكة وقامت الجمهورية العربية اليمنية. بدأت الحرب عقب انقلاب المشير عبد الله السلال على الإمام محمد البدر حميد الدين وإعلانه قيام الجمهورية في اليمن. هرب الإمام إلى السعودية وبدأ بالثورة المضادة من هناك. تلقى الإمام البدر وأنصاره الدعم من السعودية والأردن وبريطانيا وتلقى الجمهوريون الدعم من مصر جمال عبد الناصر. وقد جرت معارك الحرب الضارية في المدن والأماكن الريفية، وشارك فيها أفراد أجانب غير نظاميين فضلاً عن الجيوش التقليدية النظامية. أرسل جمال عبد الناصر ما يقارب 70,000 جندي مصري وعلى الرغم من الجهود العسكرية والدبلوماسية، وصلت الحرب إلى طريق مسدودة واستنزفت السعودية بدعمها المتواصل للإمام طاقة الجيش المصري وأثرت على مستواه في حرب 1967 وأدرك جمال صعوبة إبقاء الجيش المصري في اليمن. انتهت المعارك بانتصار الجمهوريين وفكهم الحصار الملكي على صنعاء في فبراير 1968 م وسبقها أيضاً انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية . ونفس السيناريو يتكرر مرة أخرى الآن في اليمن ولكن بشكل أخر ولكن الهدف واحد هو تدمير الجارة الجنوبية وذلك من خلال تحالفها مع بعض الدول العربية والإسلامية مستغلة نفوذها بغية التدخل وفرض نظام يتطابق مع توجهاتها باسم الشرعية , ليس ضد الديمقراطية فقط ولكن هذه المرة اتخذ طابع طائفيا واضحا القصد منه إسكات صوت الحوثيين وذلك لأسباب عقائدية الكل يعرفها , وكذلك تدخلها في سوريا ومصر وبلدان شمال إفريقيا والآن تتجه أنظارها إلى لبنان, ان إي بقعة في عالمنا العربي لا تشهد استقرار لابد وان للملكة العربية السعودية وبعض الدول الخليجية السائرة في ركابها لها اليد الطولا في ذلك من خلال دعم طرف معين على حساب طرف أخر وهذا الدعم لا يقتصر على الدعم المعنوي وإنما يتعدى الدعم بالأموال والسلاح والرجال , فما يحدث بالعراق جزء منه ناتج عن نشاط سعودي بشكل مباشر او غير مباشر والذي يحدث في سوريا امر مفضوح فالسعودية ودولة قطر وبعض دول الخليج هي من خطط هذا لإسقاط نظام الأسد ليس مراعاة لتطبيق الديمقراطية لكون السعودية ليس لها علاقة بالديمقراطية لا من قريب او من بعيد , وهي دولة تحكمها عائلة بشكل مطلق بعيد عن الديمقراطية , وإنما لكون لسوريا صوت وتوجهات لا توافق التوجه السعودي وبعض دول الخليج واليوم تتخذ إجراءات عدائية ضد لبنان لأمر معروف هو موقفها من حزب الله لبنان , ان هذه المواقف والسياسات السعودية لا تنسجم مع توجهات البلدان بالاستقرار والعيش الأمن لأن استقرار تلك البلدان ونهوضها ليس بصالح إسرائيل . والنظام السعودي أصبح حاميا لهذا الكيان الغاصب يساعده في هذه المهمة البلدان السائرة في ركابه, وهذا بتوجيه وأوامر أصدقائهم الغربيين .الذين يجدون في السعودية سوقا لسلاحهم واستغلال لثرواتها , كما ان عدم الاستقرار في المنطقة يدفع الدول النفطية إلى التخوف من محاور أخرى منها محور إيران وبتالي الارتماء بأحضان الغرب والخضوع لمخططاتها التي تخدم مصالحها .ان المملكة العربية السعودية تمتلك اليوم محور القرار العربي وهذا ناتج لسببين الأول كون كثير من الدول العربية التي كانت تمتلك القدرة للتأثير على الملفات العربية وتساهم في تحديد مسارها فقدت مصادر قوتها وتغيرت السياسات فيها مثل العراق وسوريا ومصر وجزائر وأصبحت هذه الدول مشغولة بشأنها الداخلي أكثر من اي وقت مضى , والسبب الثاني تمحور المنطقة حول محورين أساسين ذات ميول طائفية في الغالب تتزعم المحور الأول إيران والثاني المملكة العربية السعودية وكل الدولتان تمتلك مقومات الصراع من خلال إمكانياتها وقدراتها الاقتصادية والعسكرية ونفوذها من خلال إيجاد قوى داخلية تساعدها في التدخل في هذا البلد او ذلك , كما ان طبيعة الصراع الحالي في المنطقة هو صراع خارج حدود تلك الدولتين ولكن تديره من الخارج بشكل مباشر او غير مباشر كما هو الحال في اليمن والعراق وسوريا وحتى وصل هذا التأثير الى لبنان من خلال قطع المساعدات السعودية عن لبنان في مجال مساعدة الجيش اللبناني من خلال المنح السعودية وإصدار قرار خليجي والأخر عربي على نطاق وزراء الخارجية العرب باعتبار حزب الله اللبناني منضمة إرهابية مع تحفظ العراق ولبنان والجزائر على هذا القرار, مما احدث صدمة على النطاق الشعبي العربي المناصر لحزب الله لما له دور في مواجهة إسرائيل . على الشعوب العربية ان تعرف وتعي الدور لكلتا الدولتين السلبي على مسيرتها من خلال تدخلهما في الشؤون الداخلية لبلدانهم وان تعرف المخاطر الناتجة من ذلك وعليها ان تبتعد عن الانجرار لهذا الطرف او ذلك وعليها توجيه اهتمامها لبناء أوطانها وان تحقق الاستقلال ناجز بعيد عن الهيمنة والتدخل هذه الدول او غيرها تحت اي مسمى , على الشعوب العربية ان تعي حجم المخاطر الناتجة من التدخلات الخارجية في شؤون بلدانها التي لا يجنون منها غير الدمار والفرقة والصراع بين الإخوان وليكون شعار الكل هي بناء الأوطان والتلاحم والتنمية وبناء الإنسان بشكل صحيح بعيد عن الطائفية والإرهاب والأفكار المتطرفة . وتبني أنظمة حكم بعيد عن الإسلام السياسي , نظام قائم على احترام حقوق الآخرين في الدين والمعتقد وحرية التعبير في دولة مدنية وديمقراطية تحقق للمواطن العيش الرغيد والاستقرار وحرية الدين والمعتقد بسلام . |