الحكومة بين المشكلة والحل

 

 منذ فجر التاريخ وحين أستقر الإنسان بعد ظهور الكتابة وتحول الناس من عصر ما قبل التاريخ الى العصور التاريخية ،أصبحت هناك تجمعات سكانية منظمة تجمعها روابط معينة وآمال وأهداف مشتركة ،حينها برزت الحاجة الى قيادات  والقيادات هنا الغرض من وجودها ،هو تنظيم الحياة وفق ضوابط وقوانين تجعل الناس يتحكمون بنزعاتهم ويتقيدون بالضوابط والقوانين كي تسير الحياة بما يرضي كل الأطراف  وهكذا نشأت الحضارات وتعددت بتعدد الإرادات وقوة فعل القيادات التي كانت تتحكم بمقدرات الناس ،كونها تملك السلطة بالقيادة وفق المواثيق المتفق عليها  ومن هنا ظهر ما يُعرف بالملوك على المستوى العام وما يعرف بالشيوخ ورؤساء القبائل والعشائر على مستوى بعض التجمعات الخاصة البعيدة نسبيا عن مراكز المدن  فضلا عن التسميات الاخرى المرتبطة بالجانب العقائدي ،والحكومات كما أسلفنا لها أهداف وتعمل وفق القواعد المتفق عليها بينها وبين القاعدة ،ولكل منهما دور وأهمية ،الحكومات تقود الناس وتوفر لهم الأمن والاستقرار والعيش المناسب أما القاعدة فتلتزم بالنظام والضوابط المعمول فيها ،ومن يخالف يُحاسب ويُعاقب ،هذا على مستوى الرعية أو الشعب  أما القيادات فأيضا عليها أن تتمسك بواجباتها وتعمل من أجل تحقيق أهدافها المرتبطة أصلا بمصالح الناس ،وهكذا أصبح لدينا طرفان  طرف يمثل الحكومة ولها واجبات محددة  وطرف يمثل الناس أو الشعب أو الرعية أو القوم  هذه التسميات وجدت حسب ظهورها على مسرح الحياة عبر التاريخ  ولهؤلاء أيضا واجبات والتزامات تجاه الطرف الأول الذي يُعرف بالقيادات أو الحكومات في الوقت الحاضر  ورب سائل يسأل إذا كانت الحكومة تُحاسب الناس وتعاقبها  فهل يستطيع الناس أن تُحاسب الحكومة وتعاقبها ,(ومفهوم الحكومة هنا نعني به السلطات الثلاث وفق النظام السياسي الديمقراطي المعمول به هنا في العراق) هنا أقول إن هذا الموضوع كان يتأرجح عبر التاريخ بنوع القيادة أو نوع الحاكم  فكلما كان هناك فهم عميق لمعنى القيادة وأهميتها ودورها في حياة الناس بالنسبة للحاكم كلما كانت هناك مرونة بالتعامل بما ينعكس إيجابيا على العلاقة بين الطرفين والعكس صحيح حين يفهم الحاكم إنه مالك كل شيء وبيده كل السلطات  وقد نقلت لنا مصادر التاريخ ومنها القرآن الكريم نماذج لقيادات كانت طاغية ومتجبرة ومتكبرة بقولها وفعلها مع نماذج أخرى لناس كانوا أفضل بكثير ويفهمون دورهم كقيادين ومنهم على سبيل المثال السيدة بلقيس ملكة اليمن ،والقرآن وهو يتعامل مع هكذا حالات كان واضحا وصريحا  فالأنبياء دائما كانوا مُرسلين من قبل الذات الإلهية لغرض تصحيح حالات الخطأ الموجودة في المجتمع ،فهم قادة يفهمون دورهم على العكس من القادة الذين يحصلون على السلطة دون دعم الهي  فالأنبياء قادة يتمتعون بالنزاهة والأصالة والنُبل والصدق بالتعامل مع الناس وتفضيل المصلحة العامة على الخاصة  في الوقت الذي لا يحمل هذه الصفات القيادات التي وصلت إلى السلطة بطريق أو بآخر  وقد نقلت لنا مصادر التاريخ رواية تتحدث عن الرسول المصطفى (ص) وهو يوزع الغنائم بين المسلمين فقال له أحدهم  اعدل يا محمد  فقال له النبي:( إن لم أعدل أنا فمن الذي يعدل؟)  فأراد الصحابة أن يعاقبوه أو يقتلوه  لجراءته ،فرفض الرسول الكريم ذلك ،والرسول هنا يكون قد وجه رسالة الى من يأتي بعده بأن آراء الناس يجب أن تُحترم وإن كانت تتناقض مع رأي القائد وفلسفته بالحكم . إذا هناك قيادة لحلِ مشاكل الناس ،وهناك قاعدة ربما تعاني من قسوة الحياة وتنظر بعين المتفائل للقيادات بأن تحل مشاكلها ،هذا ما موجود ومتفق عليه وما يجب أن يكون كي تسير الحياة بالشكل الطبيعي وفق معادلة السلطة المستوحاة مما تم ذكره وهي [حكومة تحل مشاكل الناس  وشعب ملتزم بالضوابط]  لكن الذي يحدث في جُله هو العكس وهذا ما عانى منه الناس سواء في العراق أو غير العراق منذ مئات السنين بعد ظهور الاسلام وهم واقعون تحت سطوة ناس وظّفوا السلطة والدين لمصالحهم الخاصة ،بعيدا عن مصالح الناس ورغباتهم بالعيش الكريم ،فكثر الفساد والقتل وعدم الالتزام بالقانون سواء كان سياسيا أو أخلاقيا ،والسبب كما أشرنا هو عدم قيام الحكومات بما هو مطلوب منها لإدامة الحياة الصحيحة في أي مجتمع كان ،وما يتعلق بالعراق اليوم فأن ما نراه ونحس به ونلمسه ونعيشه هو حالة فاقت التصورات والتوقعات  والسبب هو الخلل القائم في معادلة السلطة بين الشعب والحكومة المنوه عنها أعلاه فالحكومة اليوم  لم تحل مشاكل الناس بل على العكس عقدتها واضافت لها مشاكل أخرى فضلا عن الاقتصادية والاجتماعية ،اضافت لها مشاكل عقائدية ومذهبية زادت من حجم الهوة بين أطياف المجتمع حتى غدا مجتمع مفكك  متهرئ  يقتل بعضه بعضا ويحقد بعضه على البعض الأخر ومن هنا أصبحت الحكومة بدلا من ان تكون حلا لمشاكل الناس واداة لتحقيق أمانيهم ومتطلبات حياتهم ،أصبحت هي بتشكيلها الطائفي والفئوي وحجم استغلالها للسلطة ،مشكلة كبيرة تحتاج الى حل كي يرتاح من ضعفها السياسي وفسادها وانحلالها ،الناس هنا في العراق بعد ان أصبحت حياتهم جحيم لا يطاق الحياة شبه متوقفة  لا اقتصاد  متحرك وشغال الخدمات متلكئة في كل المجالات الصحية منها والخدمية والبلدية والتعليمية الفوضى عارمة وغياب القانون هو سمة الحياة في العراق حتى فقدت قيمتها  واصحبت فارغة من محتواها الحقيقي الذي يجب ان يكون مملوءاً بالعمل والجهاد والمواظبة على الالتزام بالنظام ،كي يوصل الناس لبعضهم وللأخرين رسالة مفادها ان الانسان اذكى المخلوقات واكثرها ضبطا والتزاما بالقانون كي تكون تفاصيل الحياة أجمل وأروع العمل متوقف  لا زراعة ترضي الأرض والمواطن  ولا تجارة ترضي الله والقانون ،ولا صناعة ترضي الزمن والتطور ومنطق الحياة الوطن خاو وفارغ من مقومات الحياة العصرية الضرورية لإقامة الحضارة والابتهاج أحزاب لا يهمها سوى ما يدخل في خانة مصلحتها واجنداتها  الطائفية هي الهوية الاكثر بروزا وأهمية مقابل غياب شبه تام للهوية العراقية المقدسة التي بدونها يصبح العراق لقمة سم زعاف في أفواه دول الجوار العربية وغير العربية ،واللواتي يتحّين الفرص  للانقضاض عليه كرها وبغضا لعظمته التاريخية ودوره الكبير  المهم المشكلة هنا في الحكومة وليس في الشعب.

وهذه قـــصة  لم تكتمل فصولها  لسوء حظ ابناء الرافدين في هذه الدنيا الفانية التي تحتاج الى  قوة اكبر وادق واكثر تصويبا للخلاص من حالة الذل والمهانة