زعيم التيار الصدري بين معطيات الواقع وإرث العائلة

في خضم الإضطراب والرؤية المشوشة التي يرزح تحتها الوضع السياسي والأمني والإقتصادي في العراق، هناك سؤال مهم وملح، مفاده: لماذا لا يلجأ زعيم التيّار الصدري الى الآليات "الديمقراطية" التي تقوم عليها العملية السياسية؟. بغض النظر عمّا يشوبها من خلل وقصور وبعيداً عن قناعتنا حول جدوى هذه الآليات وقدرتها على إيجاد حلول ناجعة للتدهور الفضيع الذي يكتنف أداء كافة الفعاليات التشريعية  والتنفيذية والقضائية. ثمّ ما هي رؤيته للإصلاح السياسي بمعزل عن العناوين المطاطة والعبارات الفضفاضة من أمثال مكافحة الفساد وإصلاح مؤسسات الدولة التي تحولت بسبب كثرة تردادها الى شعارات جوفاء؟، أقول جوفاء لأن أحد من الداعين لها لم يثبت لنا أنه يمتلك رؤية واضحة مبنيّة على برنامج بإجراءات عملية محددة وسياقات إدارية موصوفة لتطبيقها.
التيار الصدري، كان دائماً، بعد 2003، جزءاً أساسياً من الحكومة، بل أن دوره كان حاسماً في تسمية رئيس الوزراء في الدورات الإنتخابية الثلاث. في 2005 تمكن من تحشيد الدعم، بالتهديد والوعيد أحياناً كما هو معروف في حينه داخل الإئتلاف الوطني الشيعي ، ضد مرشح المجلس الأعلى د. عادل عبدالمهدي لصالح مرشح حزب الدعوة د. إبراهيم الجعفري الذي فاز بفارق صوت واحد ليكون مرشح الإئتلاف الوطني الفائز بالإنتخابات، غير أن إعتراض الشركاء السنة والكورد حال دون تسمية الأخير رئيساً للوزراء لدواعي لا مجال للخوض فيها هنا، ليذهب المنصب الى الرجل الثاني في حزب الدعوة، نائبه والناطق بأسم الحزب ، "جواد" المالكي.
لم يرضَ زعيم التيار الصدري ، وكذلك بقية شركاء العملية السياسية، عن سياسات أول رئيس حكومة دائمية بعد الإحتلال، ولم تَرُق له أبداً، وكان أن خاض حلفاء الإئتلاف الوطني إنتخابات 2010، بقائميتين، دولة القانون تحت زعامة رئيس الوزراء، والتحالف الوطني الذي انعقد بين التيار والمجلس وحزب الفضيلة، ومرة أخرى كان زعيم التيار الصدري من رمي طوق النجاة الى زعيم قائمة دولة القانون ، بعد ماراثون تسعة أشهر من مقاومة الضغوط الإيرانية ووساطات فرقاء الطائفة الساعين الى توحيد تمثيلها السياسي مخافة فقدان رئاسة الحكومة لصالح القائمة العراقية الفائزة بالإنتخابات.
في 2014، أجمعت القوى السياسية الوطنية وعلى رأسها التيار الصدري الذي كان دوره حاسماً هذه المرّة، على رفض منح رئيس إئتلاف دولة القانون فترة ثالثة بعد أن تسببت سياساته خلال دورتين في تدهور غير مسبوق على كافة مستويات الدولة والمجتمع، تجاوبت القوى الإقليمية والدولية الفاعلة مع الرفض الوطني، وذهب المنصب الى الرجل الثاني مرة أخرى، نائبه والناطق بإسم حزب الدعوة د.حيدر العبادي، ليجرع المالكي من نفس الكأس الذي شرب منه، قبل ثمانٍ من السنوات، أستاذه وزعيمه الجعفري.
بذلك كان زعيم التيار الصدري حقاً "صانع الملوك" في العراق الجديد دون أن يستطيع فرض رؤيته وتوجهاته على السياسة الحكومية وظلت علاقته متوترة مع صانع القرار الأول، رغم أنه كان من خلال تيّاره طرفاً أساسياً ذي ثقل في الحكومة، ويتحمل بالتالي، قدر حجمه ودوره مسؤولية كافة السلبيات التي يرزح البلد تحت أعبائها، وتلاحق تهم الفساد واستغلال المنصب،كما هو حال كل أو أغلب رجالات الطبقة السياسية، العديد من قيادات التيّار بدلالة إجراءاته ضد أبرزهم رغم أنه غير مطلوبٍ للقضاء.
لماذا يمارس التيار إذن، متمثلاً بزعيمه دور المعارضة؟، ثمّ إذا كان دور "المعارضة" واختلاف الموقف والرأي داخل الحكومة مفهوماً في المنظومة الديمقراطية بعض الشيء، فلماذا لا يلجأ التيار الى إيجاد حل من داخل أروقة الحكومة والبرلمان، فيعمد الى تشكيل أغلبية سياسية تسحب الثقة من الحكومة دون ان يلجأ الى الشارع الذي لا يمكن ضمان ضبطه ولا حمايته في ظل وضع أمني حسّاس ومتضعضع ومحفوف بالكثير من المخاطر والمجازفة، من إحتمال الصدام مع القوى الأمنية الى إمكانية إستهدافه من قوى الإرهاب التي تتربص بكل شيء وتترصد كل حالة وتتحين كل فرصة؟.
وهل سيتمكن التيار، بواسطة الشارع، تحقيق ما عجز عنه بالآليات الديمقراطية؟.مؤشرات الإنتخابات تبين أن التيار الصدري هو القوة الشعبية الوحيدة التي حافظت على أداء ثابت وتأمين ثقلها ونسبتها البرلمانية تقريباً منذ 2005، ولكنها نسبة محدودة، وأبعد ما يمكن أن تقوم به دور بيضة القبان داخل التحالف الوطني، وترجيح مسار على آخر فقط، وليس من فرصةٍ أمامه لعقد صفقة سياسية من أي نوع خارجها بسبب الإستقطاب الطائفي والعرقي الذي يتحكم في الميدان، وهي بالتالي لم تمكنه – أي نسبته البرلمانية- من تصدر المشهد السياسي، فهل يمتلك التيار الصدري في الشارع قوة أكبر وأكثر فعاليةً من القوة التي يمتلكها  على المسرح الديمقراطي بحيث يستطيع فرض رؤيته وتوجهاته على السياسة العراقية من خلاله، ويحقق حلم زعيمه، الذي يتفاخر بإرث ديني وسياسي وشعبي لا يزاحمه عليه أحد من أقرانه، وأصبح الآن يولّد لديه رغبة قوية للتقدّم والقفز على "كرسي الملك" بعد أن سأم من تجليس الآخرين عليه. لقد تردد قبل يومين أنه أعرب لوفداً من طرف حلفائه السياسيين، عن إصراره على المهلة التي منحها للعبادي لإجراء الإصلاحات المطلوبة، أي في غضون عشرة أيام متبقية، وهي مدّة، يستحيل أن تختزل مطالب 13 سنة، وإلا فأنه سوق يتقدم بمرشحه جعفر الصدر رئيساً للوزراء، وقيل أنه صرفهم بقوله :"ليس كثيراً على آل الصدر يقودوا العراق" وذلك مباشرة بعد أن إقتحم أنصاره كل الحواجز وخيّموا على بوابات المنطقة الخضراء، رغم رفض طلب التظاهر والإعتصام من قبل حكومة العبادي.
التمثيل السياسي عادة إنعكاس واقعي للبعد الشعبي، ويتبيَّن من ذلك أن التيار الصدري سوف يواجه في الشارع نفس العجز الذي يعاني منه على الصعيد السياسي، أي أن عمقه الشعبي، كما بُعده السياسي، لن يمكنه من تصدر المشهد وفرض رؤيته وتوجهاته. الميزة الوحيدة لهذا البعد الشعبي هو تمركزه في العاصمة بزخم كبير وقوي، عكس بقية محافظات الوسط والجنوب التي تشهد تحركات جماهيرية متواضعة قياساً الى بغداد، وهو يشكل خطراً حقيقياً على الحكومة من هذه الزاوية، ويبدو أن السيد مقتدى تنبه لهذا الأمر أخيراً ويحاول تجربته الآن رغم المجازفة