خيارات العالم مع أنتشار وباء داعش




هل الصحيح علينا أن نؤمن بمقولة أن داعش وأخواتها مرض وبائي تفشى عالميا بعد أن تم رعايته إقليميا وخرج عن السيطرة , ولا يمكن شفاءه الآن بالوسائل الراهنة التي تتمحور حسب التفكير العالمي اليوم بالقوة العسكرية والمناهج المخابراتية القائمة على تتبع العناصر وخيوط التواصل , ووضعها تحت المنظار فقط للاستفادة منها في مراحل لاحقة في حروب ناعمة وخشنة ترعاها قوى دولية وإقليمية تحتاج أن تحقق أهدافها بأقل الخسائر البشرية من طرفها ولكنها تحقق أكبر النتائج في خسارة الطرف الأخر؟ , هل هي وسيلة من وسائل الحرب الباردة التي تقودها قوى الضغط العالمي بتبدل المنهج وتغير إعدادات الحرب النظيفة بعد أن أنتهى عصر التجاذب الدولي بين القوى الأممية متعددة الأطراف وذوات الأيديولوجيات التي ترى في إقصاء الخصم وإنزال أشد الخسائر به نوعا من الانتصارات المقبولة دون الأهتمام لمسائل أخرى أهم وأجدر.
مسائل مثل حقوق الإنسان وإرساء السلام العالمي والتواصل التكاملي بين الأمم والشعوب وتحقيق هدف حوار الأفكار والحضارات, وهل النتيجة التي سيصل لها المشروع العالمي من وراء أحتضان داعش ونتائج التطرف الديني والتطرف المقابل وصولا لفكرة شيطنة الدين عموما والإسلام خصوصا وتضحى النتيجة المطلوبة أنه لا بد من قطع جذور التفكير الديني الإسلامي من المنبع أولا تمهيدا للمعالجة اللاحقة ، هل نصدق مقولة ونظرية أن الإرهاب لا دين له عندما يراد منها أن نحصر قضية التطرف بالبيئة فقط ونسمح للفكر التكفيري بالتوسع وصولا لدرجة الحرج الذي سيكون فيها الأعتقاد الكلي حتى عند المسلمين أنفسهم أن الإرهاب يعني الإسلام والإسلام يعني الإرهاب، وبالتالي قبول النتيجة حينما يكون القرار العالمي إدانة الإسلام وما يتصل به واعتباره فكر غير قابل للحياة , تساؤلات وإجابات ومباحث تقودنا إلى أسرار وكمائن فكرية وسياسية بالنتيجة نصل إلى فراغ من غير قرار نهائي.
قد تكون نظرية المؤامرة هي المفتاح الذي ينطلق منه الكثير في سرد الإجابات خاصة وأبتدأ من علاقة بريطانيا والصهيونية العالمية بنظام الحكم السعودي , والتركيبة القبلية الدينية البدوية المنغلقة التي أسسها رجال الاستخبارات البريطانية في القرن التاسع عشر ليكونوا أي نظام أل سعود العون واليد التي تحاول من خلالها قوى عالمية معروفة في ذاك الوقت لتفكيك الإمبراطورية العثمانية ,وأستلاب جغرافيتها الطبيعية والاقتصادية والبشرية , في ظل نظام حديث ينشأ عالميا ويتوسع بقوة يعتمد على فكرتي المستعمرات والطرق البحرية والسيطرة على الأسواق العالمية , لمواجهة أقتصاد عالمي متعدد الأذرع ومنفتح بشهية للاستحواذ والمنافسة.
قد يكون للعامل السياعسكري أو السياقتصادي أو بالمثلث المغلق سياسة وأقتصاد وعسكرياتية والتي هي روح النظام الإمبريالي المتمدد في كل الاتجاهات، والذي تدفعه مشاعر الاعتداد بالقوة وحق القوة على أن يجرد المنافس من كل مصادر قوته، وهذا ما حصل مع الدولة العثمانية التي أنزوت في إقليم صغير محاط بأعداء عقائديين (اليونان إيران أرمينيا روسيا) لا يمكنها أن تستقر مع روح العداء الديني والمذهبي والخصومات التاريخية بينها وبينهم ,لقد تحولت لمجرد قوة ذيلية في توازن قوى مرعب بين الشرق والغرب بعد أن كانت منافس سياسي وعسكري مهم لأوربا المتعسكرة بالاقتصاد والأساطيل والقوة العابرة للمحيطات.
لا أظن أن المؤامرة بعيدة عن تفكير الإنكليز فهم تلامذة مدرسة أصيلة وكلاسيكية لكنها متقنة في التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد مع خيارات تكتيكية متعددة المسائل والوسائل التي تفصح عن عقلية مركبة وعميقة لا يستهان بكل تحولاتها وتبدلاتها وحتى في ما تطرحه من قضايا إنسانية أحيانا فإنها لا تفارق خطها الفكري الأول والرسم السياسي البعيد , حتى أن من لم يعتمد المنهج البريطاني في التفكير السياسي سيتعرض للكثير من الهزات في تنفيذ أحلامه وخططه السياسية , صحيح أن الغرب عموما وأمريكا خصوصا لها فوارق بنيوية في التفكير السياسي والعمل الدولي , لكن البصمة الإنكليزية والمشاريع التي تمتد لقرون ما زالت هي المسيطرة على نظام العلاقات الدولية في مجتمع اليوم .
نعود للسؤال الأساسي هل من الممكن اليوم أن نؤمن بوباء داعش على أنه وباء غير قابل للمعالجة , أظن من السذاجة الفكرية الإيمان بمثل هذه المقولة مع توفر إمكانيات هائلة من الأفكار والنظريات الأجتماعية والسياسية وحتى الأجتماعية للمعالجة والتي يمكن من خلال حوار صريح وصادق وملتزم بنتائج أن يتوصل لحلول جادة ومهمة وحقيقية لمكافحة هذه الظاهرة التي أشتهر بها القرن الواحد والعشرين ومن أبرز ملامحه بشرط أن تكون بريطانيا ومعها التفكير الغربي عموما صادق في أختيار الهدف وتحقيق النتيجة , وفصل فكرة أرتباط التطرف والإرهاب بالفكر الديني العالم وإعادة تسمية الحقائق بأسمائها , إنه صراع الفرع الديني من المؤسسة الاستخباراتية الغربية مع المجتمعات الفقيرة لغرض إبقائها في دائرة التبعية والذيلية والهدف كما قلنا صراع إرادات غربي _ غربي لمزيد من الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة بزي فاندام.