الإصلاح والفيدرالية والمركزية

 

في المقال السابق بعنوان ( منصب الوزير والتغيير ) يوم الاحد الماضي تناولت الاصلاح من منظور شامل ، لأنه لا يعطي نتائجه المرجوة ، إن تركز على منصب الوزير فقط ،  كما هو حاصل في الحراك  السياسي اليوم  ، بل  يجب أن ينزل الى الحلقات الاخرى دونه ، وهي مهمة من الناحية الميدانية ، لأن الوزير ، وخاصة في الدول المتقدمة منصب سياسي ، وتنحصرمهمته في رسم  سياسة الوزارة ، ضمن الاستراتيجية الــعامة للدولة ..

ومنصب الوزير حلقة متواصلة في تاريخ الوزارة ، ولذلك يكون كل وزير فيها إمتدادا لسابقه في السياسة العامة ، وأن إختلف عنه في طريقة التنفيذ  ووضع الخطط ، والوسائل التي تحقق الهدف المشترك للوزراء والحكومات ، في حين تعد الوظائف التي تلي الوزير ، وفي مقدمتها المفاصل القيادية ، عصب الوزارة ، وعمادها ، وأدوات التنفيذ الحقيقية ، ولا تتغير مع تغير الوزير والحكومة ، ويفترض أن تكون من التكنوقراط  حصرا ..

وهناك من يتساءل ..  والتساؤل فيه قدر كبير من الوجاهة …لماذا ركز الحراك السياسي على الوزارة ، والحكومة المركزية فقط ، ولم يتطرق الى الحكومات والمجالس المحلية ، وكأن المحافظات أصبحت اليوم جنات الله في الارض في مستوى الخدمات ، والنزاهة والأمانة ، والتطور، بشكل جعلها تكون مراكز إستقطاب للمواطنين العراقيين في العمل والراحة والأمن ، والاقتصاد والاعمار والبناء  والخدمات بكل مجالاتها ..

 ويبدو من الحراك الشعبي  في المحافظات أن حالها ، كما هي حال   العاصمة – مقر الحكومة الاتحادية – ومطالب جماهيرها هي نفسها ،  في الاصلاح والتغيير ..

ومن المعروف أن الدول عندما تتبنى نظام الفيدرالية والتخفيف من قيود المركزية ، فهي تريد إسعاد المواطن ، وتوفيرالخدمات من خلال تسهيل الاجراءات الادارية ، وتوفير الاموال العامة ، بدل صرفها في غير مجالاتها  الحقيقية في حالة ( تضخم ) المركز ، في حين يمكن إقتصاره على الوزارات الاتحادية فقط ، وهي قليلة جدا ، وقد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ، مثل الخارجية والدفاع والمالية وغيرها ..

 وهكذا بالنسبة للتربية والصحة والزراعة والموارد المائية ، والبلديات والاسكان ، وهكذا  ايضا بالنسبة لوزارة التعليم العالي الاتحادية بعد أن أصبح لكل محافظة جامعة ، وانتشرت الكليات والمعاهد  في النواحي والاقضية …وحتى الاعلام بعد  أن اصبحت لبعض المحافظات قنواتها الخاصة وصحفها ..

فأين الاصلاح  في ظروف العراق الاقتصادية  من هذا الاسراف في الاموال ، والهدر في الجهود ، والتضخم في ( الملاكات ) واستمرار البطالة المقنعة ، والبيروقراطية القاتلة ، والحلقات الزائدة ..

وبينما تشكو الحكومة من الضائقة المالية ، ويعاني المواطن من سوء الخدمات ، والبطالة ، تهدر أموال الشعب على الكتل والاحزاب ، وهي تطالب بحصصها في الوزارات ، وحصصها في الحكومات المحلية والهيئات والمؤسسات ،  اضافة الى وجودها في البرلمان ، وقد إمتدت  المحاصصة الى مستوى الشعبة والقسم في الدائرة ..

وليت الامر يقف عند حد ( الولاية ) للوزير على الوزارة  ، أو مدة العمل في  الحكومة المحلية او المركزية ،  او البرلمان ، بل يستمر هذا الهدر المالي الى ما بعد الخروج من هذه المناصب في الامتيازات  والحمايات ، وكأن الدولة  اصبحت دولة كتل ، وليست دولة مواطنة ، وأخذت دور الشعب في ( أن تكون هي مصدر السلطات ) ، فهي التي  تقود البلاد ، وهي التي ترشح الوزير ، وهي أيضا تقدم استقالته ، وتعلق حضوره في جلسات مجلس الوزراء والنواب ، وتحولت السلطات الى واجهات لها ، وتستمد شرعيتها منها.. ولا يحق لأي منها إتخاذ أي قرار دون الرجوع اليها  ..

فالديمقراطية ليست في أن تسلب صلاحية رئيس الوزراء في تغيير وزير فاشل او فاسد ..!!

والاصلاح  ليس في تشكيل لجنة ، أو لجان أو مجلس تحت أي مسمى يتفق عليه ، لترشيح الوزراء ، أو مراقبة اداء الحكومة ومؤسسات الدولة أو معرفة نبض الشارع .. فمثل هذه المقترحات ( تدور حول المشكلة ولا تدخل  في عمقها ) ، وهي اعتراف صريح بضياع فرص ثمينة للبناء ، وهدر الاموال وضياع الوقت في السنوات الماضية على حلقات مهمة لم تقم بواجبها الدستوري في الرقابة والتنفيذ ، بحيث وصلت الامور الى حد الازمة الخانقة..

والديمقراطية .. ليست في التداخل في طبيعة الواجبات  بين مؤسسات  المركزية والفيدرالية ، من أجل توفير أكبر عدد من المناصب للكتل وضمان ( العدالة ) في توزيع  حصصها في المركز والحكومة المحلية والبرلمان والهيئات والمؤسسات …

الشعب لا يريد المحاصصة .. فهي سبب معاناته ..

فاين الاصلاح من كل ذلك ..؟..

{{{{{{

كلام مفيد :

 الأم تصنع الأمة ..