لا يمكن أن يختفي من ذاكرتي ذلك المشهد التراجيدي الذي يحكي قصة الأرض المسلوبة والسكان المستعبدون . صورة جعلتني أُثقل كاهلي بهمومٍ لا أقوى على حملها ... لكنها هموم أهلي الذين أعطوا للعراق دمهم ومالهم . فتاة تحمل على رأسها صفيحة الماء من مصدرٍ صيرته الصناعة والأستخراج مالحاً .. لا تنظر الى ما حولها , يبدو أنَ النار المستعرة , والتي تنبئ عن نفطٍ يُغتصب , تزيدها لهيباً على لهيب الأرض المحترقة تحت أقدامها الحافية !! للبصرة تعاريف عديدة , أهمها ما يجعلها مزاراً ومحطة مهمة لساسة المال الطامحون لبناء مجدهم على حساب الناس قبل أن يكتشفوا مميزات منطقتهم فيثبوا للحفاظ على المتبقي , ذلك التعريف الذي يعتبرها (مصدر الرزق الوحيد للعراق وبعض الدول !) . البصرة التي جربتهم فأستباحوها أربعة سنوات عاثوا بها الفساد وأراقوا من الدماء ما يكفي لإعادة أهوارها الجميلة لكن بلونٍ قاتم ... ثم جربت غيرهم فسرقوها ولا زالوا لخيرها ينهبون , وما أكتفوا .. المحافظ الحالي الذي أعاد جُل ميزانيتها البخسة إلى حكومته العتيدة لتستثمر هذه الأموال في شراء الذمم الرخيصة أو لتعديل قانون الأجتثاث الذي صار تكريماً علنياً لجزاري النظام البائد !! محافظنا يُريد أن يجدد مرة أخرى وعلينا أن نقول كلمتنا.
ليست الديمقراطية لعبة الزعامات , بل هي حق الشعوب , لذا وجب علينا أن نعرف كيف نختار , لا مجال للسماح بخدعة أخرى تبقينا تحت طائلة الحرمان من أبسط الحقوق التي يتمتع بها كل من في الكون وهي (الماء الصالح للغسل !!) . ما أفرزته السنوات الماضية وتأكد في هذه الأيام , هو أن هناك مسارين يغاير أحدهما الأخر , الأول أتبع أسلوب السفسطة والتحايل على هموم الناس عبر أنماء حالة المخاوف للتستر على إخفاقاته القاتلة .. منهج فشل حتى في صياغة برنامج يسير عليه فبقيَ مختبئاً خلف صورة لرجل رفع يديه متوعداً لترسيخ تلك الحالة التي يراد من خلالها وأد الديمقراطية , يراد لنا أن نصل الى مرحلة ربط الكل بجزء صغير لم يكن له دور الريادة في مراحل تأسيس العراق الجديد , وهذا النهج لا يستطيع سوى صناعة السلطة , وشتان ما بين السلطة والدولة... الدولة التي نجدها حاضرة في أدبيات أصحاب المنهج الثاني , يصرون على بناء مؤسسات قادرة على حماية المواطن وحفظ حقوقه المنتهكة , مبتعدين عن شخصنة الأمور , وما مشروع العاصمة الاقتصادية الا مصداقاً عملياً على هذا الصوت الذي يرتكز على ثوابت علمية مبتعداً عن التنظير , وما يؤسفنا ضياع هذا المشروع في أروقة مجلس الوزراء !! يبدو أن الحمل لا ينهض به إلا أهله , وأهل المشروع هنا أصحاب الأرض ومن أطلق المبادرة لذا فمن المستبعد جداً ان ترى عاصمتنا الأقتصادية النور إلا بسواعد أبنائها وبصماتهم البنفسجية .
|