لماذا كل هذا الهوان؟ |
بعد مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو( 1916 ) ، يشير الوضع الراهن الى أن العرب أمام مرحلة خطيرة جديدة ، تعد من أخطر المراحل بعد تلك الاتفاقية ، وتشكيل الجامعة العربية كصيغة للتعاون والعمل العربي المشترك الفعال ، وليس الشكلي ، وقد يفاجأ العرب فيجدون أنفسهم في يوم ما أمام صيغة أخرى بحكم الواقع الجديد ، والاطراف الدولية الفاعلة التي تفرض ما تريد .. وهناك من المراقبين من يرى أن إمتناع الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي عن الترشيح لمدة جديدة من المؤشرات التي تساعد المراقب في قراءة الواقع العربي والمستقبل ، لأنه خرج عن سياق اسلافه في الترشيح لمدة ثانية ، رغم أنها من حقه ، دون إعتراض ..
فتاريخ جامعة الدول العربية يشير الى أن مدة الدبلوماسي المصري نبيل العربي أمينا عاما لها ( خمس سنوات ) هي الاقصر في تاريخها ، قياسا بالامناء الذين سبقوه ، وكان أعلاهم مدة هو عبد الخالق حسونة ، حيث إستمر لمدة عشرين عاما ( 1952- 1972) ، يليه الشاذلي القليبي ( 1979- 1990 ) ، بعد إنتقال الجامعة العربية الى بلاده تونس ، فيما كانت مدة ولاية الأخرين لدورتين ، أي لمدة عشر سنوات …
فهل هو زهد من الدبلوماسي المصري المخضرم بالمنصب ، فلم يرشح لدورة ثانية ، رغم مغرياتها المادية ، أم هو يأس من وضع الجامعة العربية ، وأراد أن (يطفر من قاربها المتهالك ) ما دام على الجرف قبل أن يغرق في وسط البحر … وهل العربي يرى بحكم العمر والتجربة والاطلاع ما لا يراه غيره ما ينتظر العرب في قادم السنوات من أزمات ومشاكل وتراجع بعد محطات خطيرة مرت عليها ، وقفت عاجزة أمامها كالاحتلال ، أو عندما ( أعطت الضوء الاخضر للناتو للتدخل في ليبيا في بداية ثورتها ) على حد ما ذهب اليه أحد الكتاب العرب ، وضياع قضية فلسطين بين إجتماعاتها والمشاريع المطروحة ، ولم يعد هناك مبرر لتبقى بندا مزمنا ضمن جداول أعمالها بعد الاعتراف ب ( اسرائيل ) من اطراف مؤثرة ، ووجود بعثات دبلوماسية أوعلاقات ، وإن لم تكن رسمية او على مستوى دبلوماسي ، وسلطة بلا سلطة …
والخطوط الحمراء التي كانت الجامعة العربية تضعها تحت كلمة السيادة ، والوحدة الوطنية للدولة العربية فقدت لونها ، ولم تعد تثير الاهتمام ، بل تكاد تكون أسهل الخطوط اختراقا اليوم بعد احتلال العراق ، وليبيا ، والوضع في سوريا واليمن ، والهجمة الارهابية على المنطقة ، وبعد تقسيم السودان الى جمهوريتين … شمالية وجنوبية ، وتفشي النزعات الطائفية والمناطقية والقبلية ، ومخاطر التفتت والتقسيم التي تهدد دول عربية أخرى التي تطبخ على نارالانتظار الهادئة أيضا !..و ( موضة الفيدرالية ) وهي نظام قديم ومعروف ، وواسع الانتشار في العالم ، لكنها قد تستخدمها الاطراف المؤثرة في غير هدفها الصحيح ، وتكون بابا للتقسيم عندما تكون لارضاء الاطراف المتخاصمة ، وليس لتوزيع السلطات بين المركز والولايات او المقاطعات او المحافظات ، من أجل تسهيل الادارة وتقديم أفضل الخدمات ..
ولم يكن ( المخططون ) لهذا ( الاسلوب الناعم ) في عجالة من أمرهم للتقسيم الأني .. فكل شيء يأتي في آوانه ، ما دامت ( الدساتير ) العالمية تؤمن الحق لمن يريد أن يقرر مصيره بنفسه متى شاء ، أو إذا بلغ ( مرحلة الحلم ) والقوة ، وتوافر الظروف المناسبة !! ..
وهذا يعني أن العرب أمام مرحلة جديدة من التجزئة اكثرمما هم عليه بعد سايكس بيكو .. فاذا تشكلت الجامعة الحالية في حينها بعد تلك الاتفاقية ، فان الظروف التي تمر بها الدول العربية تنذر بتقسيمات أخطر ، و( سايكسات بيكوات ) جديدة معدة و( اسبابها جاهزة ) لكل قطر ، محفوظة في ( ألادراج ) وصيغ جديدة ( للعمل المشترك ) تناسب المرحلة !..
فهل يعي العرب ذلك ..؟..
وهل بامكان مؤسسة ( شاخت ) وهرمت ، أن تتحمل مسؤولية خطيرة عنوانها التضامن واسترجاع الحقوق ، وحماية الاوطان ، وهي بهذا المستوى في عصر الاقوياء ، ولا مكان فيه للضعفاء ..؟!..
نتمنى ذلك الحلم ..
وهل ينسجم هذا التشخيص الواقعي للحال الراهنة مع نظرة البعض اليوم للعروبة ، وكأنها أصبحت جزءا من الماضي و( شيء من التاريخ ) ، ولم تعد تواكب العصر و ( العولمة ) !!، فيما يراها أخر ( سبة !) ، و عند ثالث ( اتهام !) ، ومن يؤمن بها يكون ( قومجيا !) في نظره ، وكأنها بدعة من حزب او جهة معينة ، أو من بنات فكر فرد ، وليس من الله ، ولم يكن بها كتابه الكريم ، والصلاة بلغتها ، رغم تعدد لغات المسلمين ، وهي لغة أهل الجنة ، ومنها محمد ( ص ) سيد الانبياء والمرسلين …
فهل توفر مثل هذا الامتياز والتقدير والكرم الالهي الى أمة أخرى ، و لغة اخرى غير لغة العرب ..؟..
فلماذا كل هذا الهوان ..؟!..
والى متى يبقى العرب خارح الفعل المؤثر ، وتتحكم بمصيرهم ، وثرواتهم وقراراتهم الدول الكبرى بصورة مكشوفة ، وليس من وراء ستار ..؟!..
الجواب يحدد إتجاه سيرهم ، وطبيعة مستقبلهم ، ومصير جامعتهم .. وكل شيء لديهم ..
{{{{{{{
كلام مفيد :
ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم .. ( شكسبير ..)… |