التدمير المبرمج للعراق... جردة حساب بعد 10 سنوات من الاحتلال

 

 

 

 

 

العراق تايمز: كتب عماد صادق العلوان ــ في الذكرى العاشرة لاحتلال العراق ( أو تحريره بزعم البعض ) ، وبفعل ماشكله هذا الاحتلال من نكسة انسانية تعتبر الاكبر بالعالم منذ عقود ، وماتزال تداعياته وارتداداته تعصف بالبلد ، فقد قام عدد من الباحثين والصحفيين في العالم بجردة حساب للنتائج الكارثية لهذا الحصار معززة بارقام ووقائع منظمات دولية وانسانية وتقارير حكومية ( يعني مو حكي انشاء ) وتوصلوا الى أن الارقام المذهلة للخسائر المرتبطة بهذا الاحتلال وتوابعه لا يمكن أن تكون تصادفية ، ونزيد نحن بالقول أن ما جرى من 1990 ولحد الان هو برنامج معد سلفا وبتوقيتات محددة  يهدف الى تحطيم العراق كدولة وحضارة وشعب موحد ، والعراق كان الهدف الاول في برنامج التدمير والتفتيت لانه صخرة العرب( حسب قول بن غوريون قبل اكثر من 50 سنة : لا امان لاسرائيل الا بتقسيم العراق ومصر وسوريا ) ، ليمتد بعدها التفتيت الى كل المشرق العربي ليصيب مصر ( التي نرى الفوضى الحاصلة فيها وانهيار الدولة القوية وظهور الانقسامات الدينية ) ، لتتبع العراق سوريا على نفس الطريق وبشكل اكثر مأساوية . وكل ذلك يحصل تنفيذا لتهديد جيمس بيكر لطارق عزيز في 1991 " سنعمل على تدمير بلدك ونرجعه الى عصر ماقبل الصناعة " وقد تحقق هذا الهدف العزيز لدى اميركا واسرائيل بهمة المحتل الاميركي والغيارى من الجهلة والمنتفعين والطائفيين العراقيين.

تدمير العراق الدولة
    بدأ التحطيم الممنهج للعراق بالحصار الشامل عام 1991 ليكتمل بسلسلة حروب مدمرة في 1991 وضربات طيران وصواريخ وصولا للهجوم والاحتلال في 2003 , واستهدفت الهجمات ضمن ما استهدفته محطات توليد الطاقة ومصافي النفط والوزارات والمصانع والمخازن والطرق والجسور وحتى المشافي لتدمير البنية التحتية للبلد . والعدوان الهمجي هذا كلف العراق حسب تقارير اليونسكو بين 1991 – 2003 : موت مليون عراقي      ( اكثرهم من الاطفال ) بسبب الحصار الاقتصادي ، وكان هذا تمهيدا للاحتلال العسكري في 2003 حيث فقد مليون ونصف عراقي اخر حياتهم وعدد مفقودين يفوق ال 250 الف من بينهم 100 الف طفل (1) .
     حسب تقرير الامم المتحدة في 2008 تسبب الاحتلال والاحداث التي رافقته باكبر عملية نزوح في الشرق الاوسط في العصر الحديث : 2.8 مليون مليون نازح داخل العراق و خارجه 2.5  مليون (تقلص العدد في بداية 2013 الى 3 مليون في الداخل والخارج بسبب عودة قسم من النازحين الى مناطقهم وحصول مئات الالوف على اللجوء في دول اخرى ) ... اي 5.3 مليون من اصل 31 مليون عراقي هم مهجرون بمعنى 1 من كل 6 ، و80% منهم من النساء والاطفال .
    خلال 2005 – 2008 كانت 50 – 180 جثة ترمى يوميا في شوارع بغداد ومعظمها يحمل اثارا لتعذيب وحشي قبل القتل . وقوات الاحتلال متهمة حسب ما كشف مؤخرا بانها المسؤولة عن تشكيل وتدريب وتسليح فرق الموت المسؤولة عن هذه الاغتيالات وانشاء السجون السرية ( اميركية وعراقية ) التي يجري فيها اعتقال عشرات الالاف دون تهمة ودون محاكمة عادلة . وعدّ العراق البلد الاكثر عنفا والاقل امانا في العالم ( التحقت الصومال به عام 2011 ) بسبب التفجيرات والاغتيالات والعنف الطائفي والسياسي حتى صار اخطر من افغانستان ، وفازت بغداد بلقب ( المدينة الاخطر في العالم والمدينة الاقل قابلية للحياة على وجه الارض ) .
    وفق تقارير الصليب الاحمر الدولي ، تعتبر الازمة الانسانية في العراق الافظع في العالم :11 مليون عراقي يعيشون في احياء الصفيح والاحياء العشوائية غير الصالحة للسكن ( كان عددهم 3 مليون في 2002 حسب اوكسفام )، و8 مليون بحاجة الى مساعدات عاجلة و70% من العراقيين لا تصلهم خدمات الكهرباء والماء الصالح للشرب ( وتسبب انخفاض مستوى مياه الانهر الى تلوث مياهها) ، يضاف الى ذلك تلوث المياه والتربة والهواء خاصة باليورانيوم المنضب والفسفور الابيض ومواد ونفايات خرى مرتبطة بالعمليات العسكرية الامر الذي تسبب في ارتفاع التشوهات الخلقية والسرطانات ...باختصار البلد لم يعد صالحا للعيش .
    في العراق يموت 44 الف طفل دون ال5 سنين من العمر كل سنة اي 60 طفل يوميا ( ضعف النسبة العالمية ) ويعاني نصف مليون طفل من سوء تغذية وهناك 800 الف طفل بعمر 5 – 14 سنة التحقوا بسوق العمل بعد ان تركوا الدراسة ... كما ابحنا بلد اليتامى بعدد قارب ال5 مليون مع نصف مليون طفل يعيشون في الشوارع (2). وفي 2007 اعلنت وزارة المرأة العر اقية وجود 3 مليون أرملة بسبب حروب ايران واميركا ونصفهن ترملن بعد 2003 ، 8% فقط يتقاضين مساعدات رعاية اجتماعية و55% منهن مهجرات . وكان الاحتلال بمثابة قفزة كبيرة للوراء بالنسبة للمراة حيث تراجعت حقوق المراة بعد 2003 من بينها الحق في رعاية الامومة وحق العمل والخدمات الاجتماعية والحقوق الشرعية ، وانتشرت ظاهرة تعدد الزوجات ( وهي في جاب منها قد تكون حلا لمشكلة الارامل لكن لها جوانب سلبية كثيرة ) وزواج المتعة وازدياد حالات الطلاق .
التعليم والعلم
   العلم والتعليم كانا هدفا محوريا في برنامج تدمير العراق . بين 2003 – 2008 حصل 30 الف هجوم على مؤسسات تعليمية ، قصفت اكثر من 700 مدرسة في الحرب والعمليات التالية واحرقت 200 مدرسة و3000 تعرضت للتدمير الكلي او الجزئي وتم استخدام العديد من المدارس كمقرات للقوى العسكرية والامنية . وتم استهداف التعليم العالي بقسوة : 34 مؤسسة تعليمية عليا تم حرقها ونهبها او تدميرها... اغتيال اكثر من 470 استاذ جامعي . 20 الف من التخصصات العلمية والمهنية النادرة و6700 كادر جامعي هاجروا للخارج . 2000 طبيب وكادر طبي وتمريضي جرى قتلهم . وعموما 75% من الكادر الطبي والتعليمي في بغداد توزعوا بين القتل والهجرة او ترك اعمالهم او مناطقهم بسبب التهديدات او الخوف من الاعتداءات ( احصاءات لانست ).
تدمير الحضارة والنسيج الوطني
   لم يكتف الاحتلال بالقضاء على العقول وتفريغ البلد منها ، بل طال كذلك الموروث الثقافي للعراق ( الذاكرة الحضارية للعراق)  فترك المحتل 12 الف موقع اثري دون حماية او حراسة .. فكانت النتيجة النهب شبه الكامل لها.. ومن المتحف العراقي سرقت 15 الف قطعة اثرية لا تقدر بثمن في حين لم تستعاد الا 3000 قطعة ونيّف من القطع غير ذات الاهميةالكبيرة . واتخذت قوات الاحتلال بعض المواقع الاثرية مقرات لها كما في مدينة بابل فدمرتها وتم سرقة الارشيف اليهودي العراقي ونقل جزء كبير منه الى اسرائيل .
  عاش العراقيون من كل المكونات اكثر من الفي سنة مع بعظهم بسلام ولم يعرفوا الفتنة بشكلها العاصف والخطير الا مع الاحتلال ، فأصبحت مكونات كالكلدان والاشوريين والسريان والمندئيون والايزيديون والشبك على وشك الانقراض تقريبا من العراق ( ويطبق السيناريو ذاته في سوريا حاليا ) . والحرب الطائفية السنية الشيعية كادت تطيح بالعراق في السنوات2005-2008 ورغم انحسار العنف الديني الطائفي كثيرا لكن مازال هناك من يروج له وله مصلحة فيه او يعود بسبب سياسات حكومية خاطئة .
    يقول الشخصية الاميركية البارزة (ستيغلينز ) الحاصل على جائزة نوبل والمعارض للحرب ، ان أحتلال العراق كلّف اميركا 3 تريليون$ اي مايعادل 100 سنة من المساعدات الاميركية المخصصة للتنمية في العالم ، وسدس هذا المبلغ كان كافيا لتحقيق أهداف الالفية الثالثة للعالم كله . وبالرغم من ان الاحتلال خصص مبالغ كبيرة للمشاريع واعادة الاعمار لال انها لم توزع بطريقة صحيحة وعادلة وشابها الفساد الكبير فأسس بذلك لحالة فساد تغولت وسيطرت على كل مقدرات العراق بحيث لم يظهربسببه اثر كبير في التنمية والخدمات بالرغم من مئات مليارات الدولارات الواردة من النفط .
    كل الدلائل تشير الى ان العراق لم يتم احتلاله عسكريا فقط ، بل اقتصاديا كذلك . فالتبادلات المالية للعراق محصورة تقريبا بالبنوك الاميركية فقط واموال العراق مازالت محجوزة في البنوك هذه ووزارات العراق وقواته العسكرية والامنية ماتزال مرتبطة تجهيزا وتسليحا وعقودا باميركا . والشركات الاجنبية تتمتع باعفاءات ضريبية ويسمح لمؤسسات عراقية بأن تنتقل بنسبة 100% الى مستثمرين اجانب مع الحق بتحويل جميع الارباح الى الخارج ، والعقود تحال آليا الى شركات بعينها .. وفي كل ذلك توجد ، وبسبب غياب الشفافية ، شائبة وجود صفقات تحت الطاولة بين سياسيين وموظفين عراقيين مع اجانب في كل الصفقات والعقود المبرمة مع الخارج ان تملكا او عمولات .
   وماذا عن تدمير القدرات الامنية والعسكرية العراقية وحل مؤسساته التي تؤمن الوحدة الوطنية والامن والدفاع؟ ان هذه الجرائم التي ارتكبها المحتل كان ظاهرا فيها الى حد الفضيحة مؤامرة تدمير مقومات القوة للدولة العراقية التي تم بنائها عبر العقود وبجهد واموال طائلة ، وتحويل العراق الى قزم عسكري في محيط مدجج بالجيوش والسلاح ومعادي للعراق في نفس الوقت . لطالما كان تدمير القوة العسكرية العراقية هدفا اسرائيليا بامتياز ، فتم تجريد العراق من قوته لتسود الفوضى فيه ويصبح مشرع الابواب للتدخل الخارجي من هذا الطرف او ذاك ولم يعد العراق سيد نفسه بحيث اخذ الساسة يتسابقون للاحتماء والاستقواء  بهذا اطرف الاقليمي او ذاك على حساب كرامة ومصالح العراق . 
المشهد المأساوي الحالي
   عانى العراقيون من صدمات عنيفة جدا اعلى من اية منطقة اخرى في العالم اجتاحتها حرب . وتعرضت نسبة كبيرة منهم لاذى مادي ونفس كبير ( تشير دراسة دولية ان 80% من العراقيين كانوا شهود عيان لحالات قصف واطلاق نار و75% منهم لهم فرد من العائلة او قريب او صديق قتيل ، ومازالوا مهددون بالقتل او الاعتقال او المفخخات او الرصاص العشوائي وتهديد الميليشيات المختلفة . ويتحمل الاحتلال مسؤولية كل ماجرى ويجري حيث انه ملزم وفق اتفاقيات جنيف ان يحمي حياة المدنيين ، لكن ما يطبق من قانون دولي على الاخرين غير قابل للتطبيق على دولتين في العالم : اميركا واسرائيل .
   وفي الوقت  الذي يقول الاحتلال انه جاء بالحرية للعراق ، يشهد البلد اغتيالا ممنهجا للكلمة . منذ الاحتلال قتل 382 صحفي من بينهم 352 عراقي وهذا عدد يتجاوز قتلى كل الحروب الاخرى ( للمقارنة 862 صحفي قتلوا في انحاء العالم للفترة من 1996 – 2006 .
     ازاء المعاناة المستمرة للعراقيين وعدم قدرة الحكومات على الايفاء بمتطلبات الامن والتنمية والخدمات فان الوضع سيبقى قلقا وستستمر فاتورة الخسائر والتدمير الممنهج مستمرة ولكن هذه المرة بايدينا . فالمظاهرات لم تنقطع للمطالبة بتوفير الخدمات الاولية والغاء القوانين والاجراءات غير العادلة التي تمايز بين العراقيين ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والاجرام في هيكل الدولة .... قبدون حكومة ذات سياسة رشيدة وعادلة ولا تنحى في الحكم مذهبيا وفئويا لا يمككن ايقاف التدمير الممنهج للحياة في العراق ... وللاسف فقد تم اهمال العراق في السنين الاخيرة وتنصلت دول الاحتلال من مسؤولياتها تجاهه لذلك لم تعد هذه الدول مهتمة بما يدور من مأسي على ارضه ... وحسب قول احد الصحفيين الهولنديين ( مارك فاندبيت ) : " في الصين او ماينمار يكفي ظهور منشق واحد لتحتل اخباره الصفحات الاولى لجرائدنا ووسائل اعلامنا ، لكن وسائل اعلامنا هذه صامتة بخصوص المظاهرات والاعتصامات المستمرة والصاخبة في العراق خاصة بخروج اكثر من 2 مليون متظاهر في 12 ك2 2013 مطالبين بانهاء الظلم والتهميش والتفرقة بين مكونات الشعب وخاصة قتلة المتظاهرين "
   نقول من الطبيعي ان لا يركز الاعلام الغربي على المشهد الماساوي في العراق لئلا يفضح نفسه امام جمهوره فهو كان حليف السياسيين في التدمير المبرمج للعراق ...فالحقيقة هي الضحية الاولى لكل الحروب .

(1) (1)عدد القتلى في العراق يبدو انه موضوع جدل تدخل السياسة في تشكيله فمجلة لانست قدرت العدد قبل سنوات بين 650 الف و 1.5 مليون ، ومجلة اوبيون ريسيرتش بيزنيس بمليون وحسابات ايراك بودي اكاونت تقدره بفوق المليون . اما الجهات الرسمية فتقول ان العدد 160 الف .
(2) (2) نسبة وفيات الاطفال في العراق في سنة 1990 كانت مساوية لمثيلتها في تركيا في حين تيلغ اليوم الضعف .
(3) (3) فيما يخص عدد اليتامى في العراق يقول تقرير الامم المتحدة في 2008 ان هناك 870 الف يتيم في حين ان رقم 4.5 -5 مليون يبدو اكثر ترجيحا ، فعدد الضحايا من الرجال المتزوجين اذا قدرناه بمليون ومعدل عدد الاطفال في العائلة 4-6 يبدو الرقم الذي وضعناه اكثر صحة.