المشورة طريق الهداية |
ان من الحزم لكل ذي لب ، أن لا يبرم أمراً ولايمضي عزماً الا بمشورة ذي الرأي الصحيح، ومطالعة ذي العقل الحصيف. وروي عن الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) وكرم الله وجهه، أنه قال : (نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد). وقال الملك سيف بن ذي يزن الحميري : من اعجب برأيه لم يشاور ، ومن استبد برايه كان من الصواب بعيدا). وقيل في منثور الحكم : (المشاورة راحة لك وتعب على غيرك). وقال بعض الحكماء : (الاستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استغنى برايه). وقال بعض الحكماء ايضاً : (ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار). وقال بعض البلغاء : (من حق العاقل أن يضيف الى رأيه رأي العلماء ويجمع الى عقله عقول الحكماء فالرأي الفرد ربما زل والعقل الفرد ربما ضل). صفات المستشار فإذا عزم المشاورة ، ارتاد من اهملها من قد استكملت في خمس خصال وهي : – عقل كامل مع تجربة سالفة، فإن بكثرة التجارب تصبح الرؤية وافية، وقال الرسول الكريم (صل الله عليه وآله وسلم) : (واسترشدوا العاقل ترشدوا ، ولا تعصوه فتندموا). وقال عبد الله بن الحسن لابنه محمد : (احذر مشاورة الجاهل، وإن كان ناصحا ، كما تحذر عداوة العاقل اذا كان عدوا، فانه يوشك أن يورطك بمشاورته، فيستبق إليك مكر العاقل ، وتوريط الجاهل). – أن يكون ذا دين وتقياً فان ذلك من عماد كل صلاح وباب كل نجاح ومن غلب عليه الدين فهو مأمون السريرة، موفق العزيمة. – ان يكون ناصحا ودودا، فان النصح والمودة يصدقان الفكر ويمحضان الرأي، وقال بعض الحكماء ( لاتشاور الا الحازم غير الحسود، واللبيب غير الحقود، وإياك ومشاورة النساء فان رايهن الى الأفن، وعزمهن الى الوهن). وقال بعض الادباء (مشورة المشفق الحازم ظفر، ومشورة غير الحازم خطر). – ان يكون سليم الفكر من هم قاطع ، وغم شاغل، فان من عارضت فكره شوائب الهموم، لم يسلم له راي ، ولم يستقم له خاطر. – ان لايكون له في الامر المستشار غرض يتابعه، ولا هوى يساعده، فان الاغراض جاذبة، والهوى صاد، والراي اذا عارضه الهوى، وجاذبيته الاغراض فسد. فاذا استكملت هذه الخصال الخمس في رجل كان اهلا للمشورة ، ومعدنا للراي، فلا تعدل عن استشارته اعتمادا على تتوهمه من فضل رايك، وثقة بما تستشعره من الصواب أقرب ، لخلوه من الفكر وخلو الخاطر ، مع عدم الهوى، وارتفاع الشهوة، وقال بعض الحكماء : (ضف رأيك الى رأي أخيك بالمشورة ليكمل لك الرأي). |