نظرة اولية في الفساد المالي والإداري في العراق

 

تشير الكثير من الاحصائيات الصادرة عن المنظمات العالمية المعنية بشؤون النزاهة ومكافحة الفساد المالي والإداري الى ان العراق يحتل الصدارة بنسبة الفساد بين دول العالم بقوة واقتدار وإصرار ولعدة سنوات متتالية على الرغم من وجود الكثير من الدوائر الرقابية كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين ودوائر الرقابة الداخلية في الوزارات التي يفترض ان تعمل جميعها على مراقبة الاداء الحكومي في المجالات المالية والادارية. ويحتل العراق هذه المراكز المتقدمة في مجال انتشار الفساد على الرغم من ان ما يتم تناوله بالتدقيق والتحقيق من قبل هيئة النزاهة لا يصل في احسن الاحوال ولدى اكثر المتفائلين الى نسبة (5%) من حالات الفساد المالي والاداري والمهني الموجود فعلاً في دوائر الدولة، ولو تم التبليغ والاعلان عن غالبية حالات الفساد فان موقع العراق يقفز الى الأعلى في سلم انتشار الفساد وبفارق شاسع جداً عن غيره من الدول.
وقد كان لنظام التوافقية المتبع في العراق الدور الرئيسي في انتشار الفساد المالي والإداري فضعف مجلس النواب بسبب المساومات المتبعة في علاقات الكتل البرلمانية التي تجعلها متفاهمة اتفاقاً أو ضمناً على عدم محاسبة المفسدين من أي طرف لأنه يعرض المفسدين من الأطراف الاخرى للمساءلة ايضاً وكذلك الحماية التي توفرها الاحزاب الحاكمة للمفسدين المنتمين اليها قد ساعد – اضافة الى عوامل اخرى – على شيوع ثقافة ارتكاب الفساد ومحاربة النزاهة والنزيهين والمخلصين وممارسة هذه الثقافة في واقع العمل الوظيفي في دوائر الدولة العراقية وبشكل كبير جداً طولاً وعرضاً من دون رادع قانوني ولا رقابي فنهب المال العام وانتشر الفساد بصور متعددة كالسرقة والرشاوى والاحتيال والاختلاس والهدر ومن خلال المشتريات والعقود الوهمية أو غير السليمة ولم يجد المفسدون من يردعهم فصاروا مثالاً يحتذى من قبل الكثير من الموظفين الأدنى منصباً أو مسؤولية حتى تحول العراق الى بؤرة للفساد المالي والاداري تتربع على عرش الفساد العالمي.
وهكذا يكون ضعف الحكومة والبرلمان بسبب التوافقية عاملاً مساعداً في اشاعة الفساد الاداري والمالي نتيجة لتوفير الكتل البرلمانية الحماية لمرشحيها للمناصب التنفيذية العليا والخاصة (الوزراء ووكلائهم ومستشاريهم والمدراء العامين).
وكان رئيس الوزرار نوري المالكي قد اعلن في اجتماع مع المحافظين بتاريخ 2/12/2007 بان عام 2008 سيكون عام محاربة الارهاب والمفسدين من الموظفين والمسؤولين الحكوميين ولم يتحقق ذلك بل على العكس فقد زاد الفساد وانتشر. وكذلك اعلن في المؤتمر الثالث لأعمار البصرة في يوم الاربعاء 12/12/2007 بانه وجه الدوائر المعنية بالنزاهة ومحاربة الفساد بكشف قضايا الفساد حتى وإن كانت في مكتب رئيس الوزراء الا انه بعد ذلك بايام اقال رئيس هيئة النزاهة في وقتها بعد ان فضح عبر وسائل الاعلام واحدا من كبار المسؤولين في مكتب رئيس الوزراء بسبب شرائه سيارتين تبلغ قيمة الواحدة منهما (750 مليون دينار) اي ان سعر السيارتين هو مليار ونصف المليار دينار عراقي !!!! وفي ذلك فساد مالي لان هذه الارقام كبيرة جدا.
واعلن اكثر من وزير بانه سيحارب الفساد في وزارته ولم يتحقق ما يؤيد ذلك علما ان الوزارات قد استلمت مليارات الدولارات ولم تقدم خدمات جديدة ولا جيدة الى المواطنين ومثاله ما حصلت عليه وزارة الكهرباء للسنوات (2006-2013) والذي زاد عن عشرين مليار دولار كما جاء في تصريحات الكثير من السياسيين الا ان المواطن العراق لم يلمس أي تغير في الكهرباء المقدمة اليه ماعدا التصريحات بتقدم انتاج الكهرباء وتقليل ساعات قطعها عن المواطنين،هذه التصريحات التي نسمعها من رئيس الوزراء ووزراء الكهرباء كلما اقترب الصيف العراقي اللاهب وكلما دنى موعد انتخابات بلدية او برلمانية ولكن لم نجد لها اثرا على الواقع. 
ولم تستطع هيئة النزاهة ولا مكاتب المفتشين العموميين ولا ديوان الرقابة المالية ولا لجنة النزاهة في مجلس النواب ولا دوائر الرقابة الداخلية في الوزارات ان تحد من ظاهرة انتشار الفساد في العراق ولا في انتشاله من سقوطه السريع والحاد الى هاوية الظلام المالي والاداري على الرغم من المبالغ الطائلة التي أنفقت لهذه الجهات والخبرة المفترض اكتسابها في سنوات عملها فتردى الوضع النزاهي اكثر فأكثر حتى صار العراق ينافس الدول المتخلفة وعديمة الحضارة وحديثة الاستقلال وكثيرة الفوضى والاضطراب على المراكز المرموقة في الفساد حسب تصنيفات مختلف المنظمات الدولية المعنية به فتربع العراق على العرش العالمي للفساد ويبدو انه سيبقى بطلا لاينافس وسيدا في انعدام النزاهة ولأمد بعيد اذا ما استمر توزيع الدوائر الرقابية بين الاحزاب الحاكمة واستمرت الدوائر الرقابية بعملها في محاربة الفساد بالاليات التقليدية والعقيمة المتبعة حاليا واستمر منح مناصب رئاسة وقيادة هذه الدوائر المهمة لشخصيات نفعية وضعيفة وغير كفوءة.
وقد كان الفساد صفة ملازمة لجميع الحكومات التي تلت مجلس الحكم فقد اتهم وزير الدفاع في حكومة اياد علاوي في عام 2004 بقضايا فساد بلغت مبالغها مئات الملايين من الدولارات واتهم وزير الكهرباء في نفس الحكومة بقضايا فساد تم ايقافه بسببها في مركز شرطة الكرادة في المنطقة الخضراء ولكن تم تهريبه بعد ذلك من قبل احدى الشركات الامنية العاملة في العراق برعاية من قبل قوات الاحتلال الامريكي الى احدى دول الخليج. وكذلك اتهم عدد من الوزراء وكبار المسؤولين في حكومة ابراهيم الجعفري بقضايا فساد مالي واداري.
ومما يجدر ذكره ان الفساد الاداري والمالي لم ينحصر في الجانب العراقي فقد اتهم بول بريمر الحاكم المدني الامريكي للعراق بقضايا فساد تتعلق بمبلغ قدره (8) مليار دولار (ثمانية مليار دولار) واستجوب على اثرها في الكونغرس الامريكي.
وقد ادى الفساد الاداري والمالي الذي نخر جسد الدولة العراقية وخرب البلاد والعباد الى ضعف كبير جدا في الخدمات الاساسية المقدمة الى المواطنين والتي من اهمها توفير الماء الصالح للشرب والكهرباء والخدمات الصحية والسكن والى استيراد ادوية فاسدة او منتهية الصلاحية واستيراد مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك البشري والى تناقص في مفردات البطاقة التموينية التي تزودها الحكومة للمواطنين. ويتسائل المواطن العراقي عن مصير اكثر من (350 مليار دولار) هي ميزانية العراق خلال مدة الحكومات الديموقراطية المنتخبة بعد اقرار الدستور الدائم وهي ارقام كبيرة جدا جدا فما هي مشاريع الاعمار وماهي المدن او المستشفيات او المشاريع الصناعية او الخدمية التي انشات واين هي الكهرباء والادوية وخدمات الصرف الصحي واين هي المدارس التي بنيت والشوارع التي بلطت و...و..و..
ومن الضروري ان نذكر ان كثيرا من الذين حاربوا الفساد في العراق فرديا او ضمن دوائرهم تم اغتيالهم من قبل مافيات الفساد الحكومية المرتبطة بعصابات من القتلة وقطاع الطرق وخريجي السجون فقد تم اغتيال عدد من المحققين في هيئة النزاهة في اوقات مختلفة وصرح اكثر من وزير بان عددا من موظفيه الذين يحاربون الفساد يتعرضون الى التصفية الجسدية بسبب ابلاغهم عن حالات فساد اداري ومالي تجري داخل وزاراتهم  .