لغة الضاد |
منذ الف وخمسمئة سنة والعرب يتحدثون اللغة ذاتها التي نزل بها القرآن الكريم، فترات سابقة طويلة قيلت فيها المعلقات السبع أو الشعر وهي تنطق بلغة الضاد، لغة لاأحلى منها ولا أجمل لمن يتمعن فيها ويغوص في أعماقها ويزرع في تربيتها ويحصد من شجرها ويشم من روائحها الزكية. ان كل قوم شديدو التعصب للغتهم، هذا صحيح، ولا عيب في ذلك ولكني والله أقف أمام مفردات اللغة العربية منبهراً بهذا الجبروت البلاغي سواء من طبيعة تركيب الافعال والاسماء ومدلولاتها، أو من تصريف الكلمة وايحاءاتها فأنك لا تعرف في أية لغة اخرى دلالات مفردة واحدة كالخوف مثلاً الا دالالة واحدة ولكنك في اللغة العربية تجد اختلافات واسعة بين الخوف والفزع والجزع مما يجعلك تنبهر انبهاراً كبيراً بهذا التوسع المعرفي والدلالي والبنيوي، أو أنك تجد للسيف عشرات الاسماء كما تجد للأسد عشرات اخرى، وخذ التمر مثلاً فأنك تجد لكل نوع من التمر اسماً يختص به في حين ان اللغات الاخرى تعطي لكل انواع التمر وهي بالعشرات أيضاً اسماً واحداً لا غير. وتزداد غضباً وقهراً وحين ترى ان ابناء جنسك صاروا يستخدمون معنى الجملة العربية فيكتبونه باللغة الانكليزية مثلاً، فبدلاً من أن يكتبون خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي جملة (السلام عليكم) بحروفها العربية، صاروا يكتبونها باللغة الانكليزية، وهكذا، فتتصفح رسالة وصلتك من صديق بالحروف اللاتينية ولكنها كتبت بلغة جديدة لا أجد لها تسمية في هذا الغليان الذي يمسح الذاكرة ولا يقيم وزناً لتاريخية اللغة العربية، خاصة ونحن نعيش هذه الايام، يوماً يسمى (يوم اللغة العربية)! الله الله بلغتنا أيها الناس. هذه اللغة التي حفظت لنا تاريخ اسلافنا وامجادهم، وفيها من البلور واللؤلؤ والكريستال ما يسهر الابصار، ولقد قال فيها الشاعر: أنا البحر في أحشائه الدرّ كامنً فهل يغرف الغواص من صدفاتي. |