حكمة قالها نيلسون مانديلا، أرى أن أخذها على محمل الجد، والعمل بها، والامتثال لأحكامها، تقودنا الى التحرر من شرك الأحلام بعيدة التحقيق، وتبعد عنا شبح الأمنيات صعبة المنال، فضلا عن النأي بنا بعيدا عن المستحيل وسابع المستحيلات وعاشرها، وما الى ذلك من مبررات التقاعس وذرائع الكسل ومسوغات الفشل، تلك العبارة هي؛ "الرؤية من دون تنفيذ مجرّد حلم، والتنفيذ من دون رؤية مجرّد مضيعة للوقت، أما الرؤية والتنفيذ مجتمعان، فيمكن أن يغيرا العالم". وبما أن خير الكلام ماقل ودل، وأن "اللبيب بالإشارة يفهم"، فسأكتفي بالقول والإدلال والإشارة الى ماأبتغي الوصول الى معناه، وإلا فألف مقال ومقال لن تحتوي ماأريد قوله، وألف صفحة وصفحة لن تضم ماأنوي كتابته، وألف ليلة وليلة لن تكفيني لأنقل بوحي وبوح أكثر من ثلاثين مليون إنسان، باتت أحلامهم آيلة للخيبة، بعد أن خرجوا من تغيير عام 2003 خالي الوفاض حتى من خفي حنين، بعد أن عولوا على انقشاع نظام البعث باستبداله بنظام يأخذ بيد البلد الى حيث الأمان والاستقرار. إذ لم يأتِ ذاك التغيير الجذري أكله نضرة ولالذيذة كما ينبغي أن تكون، بل على العكس، فقد ذاق العراقيون بعد ذاك العام من المرار أصناف الأكلات، ومن العلقم والحصرم والحشف أسوأ جني، وضاقوا ذرعا بأشكال البؤس والقلق وشظف العيش بأبشع صورها، فكأن لسان حالهم يقول: ليس العذاب عندي صنفا واحدا عندي بحمد الله منه صنوف وقطعا لم يكن هذا المآل وليد حكم المقبور ونظامه فحسب، بل الفضل الكبير في تردي الحال ونكوصه المطرد يوما إثر يوم، يعود بالدرجة الأولى الى من أخلفوه على كرسي الزعامة والقيادة والترؤس، ولن أشير بإصبعي الى كرسي واحد او اثنين او عشرة، فبالتجربة وتكرارها مدة ثلاثة عشر عاما، خير مؤشر على الكم الهائل منها، وفي مفاصل البلد جميعها. فما من مسؤول يتسنم منصبه في وزارة او مؤسسة، إلا وكان حزبه هو الآمر الناهي في أمره وأمر وزارته، إذ يوحي اليه بكل صغائرها وكبائرها، ويملي عليه همزاته ولمزاته التي تصب بتحصيل حاصل في مصب واحد لاغير، ذاك هو مآرب شخوص معينين، اتضحت صورهم وبانت ملامحهم جلية أمام الأنظار، كذلك انكشفت موجاتهم التي ركبوها على ظهر المواطن المسكين طيلة السنوات الخوالي، بأوامر من كتلهم وأحزابهم غير آبهين باستغاثته ونداءاته، وكيف يأبهون له وهم قادمون من أجل سرقته بتعميد وتأييد وتزكية من أرباب كتلهم وأحزابهم؟! لذا نراهم شمروا عن سواعدهم وصار بعضهم يوحي الى بعض، مجندين هممهم وإمكانياتهم لنهب خيرات البلد، فدبوا كدبيب النمل الى كل يانع ورطب، فيما المواطن يستصرخ بعد أن فاحت رائحة السرقات، وقد قالها شاعر الأبوذية رحيم الركابي: حية كوبرا وبحشاي فاحيت احتركت وريحة العطاب فاحيت وأراك بهيئة سليمان فأحيت الى جندك تلم النمل بيه أرى أن الفاسدين والمفسدين هبوا بعضهم ظهير بعض، وتآزروا وتعاضدوا وتعاونوا على الإثم والعدوان، ولن تجدي الرؤى وحدها دون تنفيذ في القضاء عليهم، كما قال مانديلا، كذلك لن يعود التنفيذ وحده بالنفع دون الرؤية الثاقبة لاحتواء سبل اجتثاثهم واستئصالهم من الجسد العراقي.
|