طرح وليام هنري سميث مصطلع «التكنوقراطية» لأول مرة عام ١٩١٩، عندما طالب بـ»تولي الاختصاصيين العلميين مهام الحكم في المجتمع الفاضل». أي أنه اشترط وجود مجتمع «فاضل» لكي ينجح أهل العلم والاختصاص «التكنوقراط» في أداء مهامهم في بناء البلاد. اليوم ترتفع الاصوات المطالبة بتشكيل «حكومة تكنوقراط» في العراق كسبيل لمعالجة التردي الحاصل في البلاد على شتى النواحي، الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والخدمية. هو تكرار لعملية استنساخ وصفات جاهزة دون التدقيق في مدى توفر ظروف نجاحها. هنا نكون كمن يصف دواءً حساساً لمريض دون فحوصات أولية لوضعية جسمه والامراض الاخرى التي يعانيها والتي قد تجعل من الدواء الجديد عاملا جديدا لتهور صحة المريض. الخطأ من الاساس كان في ٢٠٠٣، ويتحمل مسؤوليته الاميركان الذين أطاحوا بالحكم السابق عندما استوردوا لنا «الديمقراطية» كوصفة جاهزة حاولوا تطبيقها دون معرفة امكانيات المجتمع ومستوى وعيه واستيعابه لهكذا صيغ لم تستقر في مجتمعات أخرى إلا بعد مئات السنين من المشاكل. العراق كان خارجا من دكتاتورية طويلة. أجيال ظهرت لا تعرف ما يجري في العالم، ولا تثق أن الرئيس يموت أو يطاح به يوما، وإن حدث فابنه أو حزبه باقٍ. أجيال تستغرب عندما تسمع أن الرئيس الفلاني أنهى مدة رئاسته وقام بتسليم مقاليد الرئاسة الى رئيس جديد منتخب في حفل بهيج. كان العراقيون مسجونين في نفق شديد الظلام فقام الاميركان بإخراجهم فجأة الى نور الشمس الساطعة. هكذا تشوشت الرؤية لدى الناس الذين، بدأوا يسمعون لأول مرة بمصطلحات لها بريق جاذب لكنها تبحث عن مصاديق حقيقية. المشكلة أن الوصفة الجاهزة التي أراد الاميركان تطبيقها في غير محلها، جاءت هي الاخرى مشوهة. قالوا بـ»الديمقراطية التوافقية» فضربوا بذلك اساس الديمقراطية، والتي تقوم على حكم الاغلبية السياسية مع مراعاة حقوق الاقلية. استوردوا لنا تجربة تقوم على نظرية تراجع عنها صاحبها «آرنت ليبهارت» عندما لاحظ استحالة تطبيقها في مجتمعات متقدمة، فضلا عن مجتمعاتنا. التكنوقراطية ، مثال آخر على محاولات استيراد النظريات والافكار ومحاولة تطبيقها في بيئة دون الاخذ بالاعتبار العوامل المسببة للتردي الحاصل. التكنوقراطية حسب ما وردت في «ويكيبيديا» تعني «حكومة التقنية ويقال حكومة الكفاءات وبناء على ذلك فإن الحكومة التكنوقراطية تتشكل من الطبقة العلمية الفنية المثقفة، وهي حكومة متخصصة في الاقتصاد والصناعة والتجارة، وغالبا تكون غير حزبية فهي لا تهتم كثيرا بالفكر الحزبي والحوار السياسي». واذا عدنا الى الشرط الذي وضعه وليام سميث لتولي هؤلاء الحكم وهو أن يتم الامر في «مجتمع فاضل» لكي يكتب له النجاح، فلنا أن نتوقع مدى امكانية نجاح الامر في مجتمعنا. خلال حكومات ما بعد ٢٠٠٣، كان لدينا العديد من الوزراء «التكنوقراط»، منهم مثلا وزير الكهرباء الاسبق كريم وحيد، فهل نجح هؤلاء في تقديم منجزٍ لافت؟. وزراء تكنوقراط لن يستطيعوا تقديم شيء دون أن تتغيّر منظومة معايير تشكيل السلطة، والقوانين والتعليمات والمصالح.
|