قمر وسائر وجهه دولار

 

ومضَى الشّتاءُ وقد جاءت العواصف والفيضان. قفزت الفئران من تايتانيك قبل أن تغرق بيومين، ربما ثلاثة أو أكثر. قبل ذلك ربطَ الفساد عينيه بمنديل السلطة، والمنديل منقوعٌ بالنفط ألف عام، وبالثأرِ ألف عامٍ أخرى، بخيط الدم يجرجر أسمال بغداد وراءه، من ثورةٍ إلى ثورة، من انقلابٍ إلى آخر، تزداد القسوة والدمار. والأُمُّ تلثمُ القبرَ وتضمُّهُ، ترفع يديها إلى السَّماء داميةَ الكلومِ: رُحماك ربِّي خلِّصنا من المغول يقتلوننا بلا سبب!

قريباً ستُرفع السريَّة عن مراسلات غامضة بين الشعب والقائد العام. قريبا بعد ربع قرن، ستكون الحقائق غير مهمة ومنسيَّة. كما في ساعة خراب ننسى سنوات الرَّخاء أو العكس، وننسى أيضاً أنَّ نبلاء بغداد الجدد لا ينتمون إلى هنا. هذا النسيان داء الشعوب النَّامية وغذاء آلهة الجريمة الهابطة في بغداد من جديد. الفقر والجهل يترعان الشوارع كالبريد يستحم بالغبار. في الطابور الطويل للزحام، أطفالٌ يمسحون نوافذ زجاج سيارات الأجرة صفراءٌ لونها. أخلوا الطريق، المسؤول السائر بغضب كما يهبط الليل جاء، عيارات نارية في الهواء. السهام تصلصل فوق كتفي المسؤول، ركع على سطح المطعم التركي، أطلق سهماً واشتعلت الحرب.

بعد اليوم الرابع عشر، والأيام متشابهة في بغداد، دعا التلميذ الثالث عشر للسيد المسيح قومه إلى اجتماع، خذوا تاج الشَّوك، خذوا وظيفتي أيضاً، قال: لا أدري ماذا يحدث. وبكى. أدركته الشفقة على البغداديين بلا فجر يغطِّيهم الجليد وتلاحقهم تفجيرات المغول. يموتون فقراً وقهراً يوغلُ في البيوت وفي الشوارع من جديد! نحن بحاجة إلى حصان خشبي. قال للشعراء كونوا صادقين ليبدأ المخاض. الرياء أورثنا هذا الفقر القاتل!

بعد الساعة العاشرة ليلاً يبدأ حظر التجوال، بقرار من القائد العام، بعض نقاط التفتيش تتساهل مع حالات الطواري، لكن الحظر في حقيقته يبدأ قبل الغروب، وفي وضح النَّهار حَظرٌ آخر يفرضه الزحام وسوأة الاستيراد، ماتت أمُّ صديقي ورأسها على فخذه قبل أنْ تصل إلى الطبيب بسبب الزحام!

السنوات تتقارب، والساعات تلفظ أنفاسها ساعة الولادة. بعد النهاية بيومين، القائد يبكي حظَّه: ليتني كنتُ راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة! أحداً لم يخبرني بكل الحقيقة، نصف الحكاية دوماً عن نصف القدح المملوء، ينتظرون منِّي إتمامها، لكني مرتبك ولا أدري أين الطريق؟!