متى تُشفى أمتنا من أمراضها؟ |
أن اي المتابع لشؤون المنطقة العربية , يجد أن هذه المنطقة اشد مناطق العالم سخونة وأكثرها عدم استقرار وتخلفاً وصراعات جانبية وحروباً أهلية سببت التأخر في كافة الميادين وسببت هدراً كبيراً لطاقات واعدة في مواردها البشرية والمادية على الرغم من كون المنطقة تمتلك موارد مادية كبيرة من مصادر الطاقة والمياه والمناخ وكذلك موارد بشرية شابة ومتحمسة , ان ما يحدث لمنطقتنا يعود لسببين أساسيين , السبب الأول العامل الخارجي , والأخر العامل الداخلي , ونحن نعول هنا على العامل الداخلي أكثر من غيره لكون كثير من مناطق العالم خاصة ما يسمى بدول العالم الثالث قد تجاوزات محنتها وتلافت كل العوامل الخارجية من التأثير على مسيرتها بتحصين نفسها من هذه التأثيرات والعوامل والتدخلات الخارجية خاصة دول جنوب شرق أسيا وبعض الدول الإفريقية مثل جنوب إفريقيا وبعض بلدان أمريكا الجنوبية حيث تخطت هذه الدول خطوات كبيرة ومتقدمة في مجال التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي وغيرها من مجالات الحياة وأصبحت دول فاعلة في المجتمع الدولي ولها حضور كبير على الصعيد العالمي في الإنتاج والتقدم والتطور الاقتصادي والرياضي إضافة إلى استقرارها السياسي والأمني والمجتمعي , علما أن بعض تلك الدول تمتلك طوائف وقوميات واديان مختلفة ولكن نرى أن جميعها تعيش تحت سقف واحد وتحت علم بلادها وتحترم قانونه , وهنا لابد من الإشارة إلى وجود عوامل داخلية لعبت ولا زالت تؤدي دوراً في إحداث هذا الواقع العربي الغير مستقر والمرير , صراعات هنا وهنالك وعدم استقرار وحروب أهلية وحروب بين الدول الشقيقة وتدخلات سافرة نتج عنها تدمير كبير للبنية التحتية وتخريب كبير وفساد في الاقتصاد اغلب الدول العربية وتهجير وقتل وتهميش وتبديد للموارد , وتخلف في الثقافة والتعليم لدرجة تهديم المعالم والآثار التاريخية للأمة , ولم يكن هذا الوضع وليد الساعة , وإنما هي معاناة قاسية تواجهها الأمة منذ بداية التاريخ , فما من دولة تتخلص من مشكلة حتى تقع في أخرى أسوأ منها . وكأن القدر هو الذي يتحكم في أمورها وان مشيئة الله وحكمته تتطلب ذلك . ان الموضوع لم يعد سهلا ولا بد من دراسته عن كثب لمعرفة الأسباب والمسببات لهذا الوضع المزري ولإيجاد العلاج الناجع لهذا الظاهرة الخطيرة وهذا المرض الذي ينخر في جسد منطقتنا العربية , وهو لا زال مرض لم تُجرى له البحوث والدراسات الكافية لهذهِ ألحظة , لمعرفة أسبابه وطريقة علاجه ليشفى جسد الأمة منه وليبدوا متعافيا كغيرها من بلدان العالم لتعيش بسلام وأمان وتقدم حيث ان هذا المرض لا زال مجهول العلاج وان تأثيره لا زل يشل حركة الأمة وينهك قواها . اذن هناك عوامل داخلية مرتبطة بشخصية الإنسان العرابي وسلوكياته , بعضها مكتسبه من الواقع المزري الذي عاشه ويعيشه الإنسان العربي تحت ضغوط قوى احتلت منطقته لسنوات طويلة وعلى مدى التاريخ حتى قبل الإسلام طمعا في موارد المنطقة وخيراتها الكبيرة وموقعها الستراتيجي وطبيعة مناخها الدافئ , مما عرض سكان المنطقة للاستغلال والظلم والتسلط وسبب خدشا في سلوكياتها الإنسانية من الشعور بالظلم والاضطهاد والحرمان والتخلف وتولد الكراهية والبغضاء والشعور بالانتقام واستذكار إحداث لتاريخ اسود مداف بالذكريات والأحداث المأساوية , غالبا ما تثار هذه الإحداث التاريخية من هذه الجهة او تلك لتعكير صفو العالقات الدولية مصحوبة بالمبالغة والتشويه والتشهير لإحداث شرخ في علاقة الدول المجاورة .وكذلك بين طوائف البلد الواحد بإعادة قصص الماضي الأليم من تناحر تاريخي مرت عليه قرون ليصاغ بشكل أخر ويطرح على ساحة اليوم بشكل استفزازي لزيادة الصراع الطائفي والقومي بين شعوب المنطقة او طوائف البلد الواحد واليوم نشهد هذا التصارع والخلاف في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والسعودية وحتى دول شمال إفريقيا , وبين البلدان العربية وإيران وتركيا وغيرها من بلدان العالم الأخرى تحت اسم المد الصفوي او العثماني او الاستعمار القديم والجديد للبلدان الغربية , مما كسب المنطقة صفة الخوف وصفة الصراع , اما العامل الداخلي الأخر والمهم جدا هو طبيعة العربي القبلية والعشائرية منذ عمق التاريخ والتي لا زالت موجودة في اغلب البلدان العربية حيث ان العادات والتقاليد العشائرية لا زالت تؤدي دورا كبيرا في علاقات وتوجهات المجتمعات العربية , وان هذه العلاقات والتي قسم منها يبدو متخلف لا يخدم الإنسان العربي في هذا الزمن حيث تظهر بقوة في بعض الأحيان ويقل نشاطها في فترات أخرى معتمدة على طبية وقوة الحاكم وقوة وضعف تطبيق القانون حيث في بعض الأحيان تعطل القانون الحكومي وتحل محلة في فرض العلاقات وإصدار العقوبات تحت اسم الثأر والفصل ..الخ . ان هذه العلاقات العشائري تنمي روح الثأر والانتقام وعدم التسامح واحترام حقوق الإنسان للمواطن وتجعله يحتفظ بموروث قبلي بدوي لا يقبل التسامح والتنوع ونكران الذات من مبدأ (انصر أخاك ظالما كان او مظلوماً) ومن مبدأ ( انا واخوي على ابن عمي… وانا وابن عمي على الغريب ) ان الصراعات العشائرية والعشيرة لها دور كبير في المجتمعات العربية حتى في الجانب السياسي من خلال فرض الولاءات لخدمة هذا الحاكم وتعزيز موقفه حتى وان كانت توجهاته ضد إرادة الشعب والوقوف ضد ذلك الحاكم لأسباب تحددها المصلحة الضيقة , لا لأسباب وطنية , كما ان لها دور أيضا في تحديد النتائج الانتخابية في بعض البلدان من دعم هذا المرشح او ذاك حتى وان كان هذا المرشح غير مؤهل للقيام بهذا الواجب النوعي والكبير , ان منطقتنا العربية حبلى بالإحداث والمظاهر السلبية من صراعات داخلية وصلت حد الحرب الأهلية الطاحنة كلفت الأمة كثير من الخسائر والتركة الثقيلة من التخلف والتدمير في لاقتصاد العربي وفي نفسية الإنسان العربي وساهمت في خلق فرص التخلف عن ركب التقدم العالمي وهذا لا يعود بالدرجة الأولى الى نظرية المؤامرة الخارجية فلا دور للمؤامرة الخارجية اذا كان الإنسان العربي يمتلك المقاومة ويمتلك المناعة الكافية لمثل هذه المؤامرات , ولكن الإنسان العربي يحمل ترسبات الماضي وارث كبير في الخلافات العقائدية والتمزق وتاريخ طويل من الصراعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع , تاريخ مملوء بالفتن النائمة وهي قابلة للأستيقاض متى ما شاء الأعداء والمتربصين بوحدة هذه الأمة ومصالحها .وقد تحقق هذا لها في أكثر من وقت ومكان .ان المنطقة العربية اليوم لم تصبح خطراً على ذاتها فقط من خلال تبني الفكر التحريضي التكفيري المتطرف , وإنما أصبحت تهدد امن كل مناطق العالم وأصبح كثير من الناس في العالم ينظر الى العرب والى الدين الإسلامي كمصدر للإرهاب والتطرف .وقد أصبح الإنسان العربي إنساناً غير مرغوب فيه عالميا نتيجة للإعمال الإرهابية التي تبناها كثير من العرب المسلمين في كثير من المناطق في العالم كلفت شعوب العالم خسائر كبيرة , ان ما آلت له المنطقة العربية لأمر محزن حيث الصراعات والقتل بشكل سافر ووحشي على الهوية ودون سبب وان الموت طال الناس الأبرياء من أطفال ونساء وإفراد عزل لا حول لهم ولا قوه , وان بقاء الأمة على هذا المنوال سوف يؤدي إلى انتحارها من خلال تدمير كل شيء فلا قيم إنسانية ولا حضارية ولا بناء ونهوض بجوانب الحياة الأخرى , على الأمة أن تعيد النظر في نفسها . وان تجد أسلوباً جديداً للحياة والعيش على ارض هذه المنطقة المهمة عالميا بعيداً عن التهميش والتعالي والتكفير , وان تجد ثقافة التسامح ونسيان الماضي ثقافة التعايش السلمي بين كل المكونات الشعوب تحت مسمى الوطنية والإخاء والمحبة وإيجاد قيم جديدة في التعاملات المجتمعية من عدالة وشفافية واحترام حق الأخر في التعبير والاعتناق فالأوطان تستوعب كل الثقافات وكل الانتماءات وهذا ليس صعب وقد تحقق في بلدان كثير وكانت الحصيلة هي ازدهار والتقدم والاستقرار لهذه البلدان , وماليزيا لم تكن بعيدة عن هذه التجربة حيث تجد المسجد قرب الكنيسة وقرب المعبد البوذي والكل يعيش بسلام وأمان , هم الجميع البناء والعمل والاستثمار. على البلدان العربية ان تعي دورها التاريخي أكثر من اي وقت مضى وان تعيد بناء نفسها بشكل جدي بعيد عن كل ما أسلفنا وعلى أساس دساتير حديثة لا ضرر ان يكون مصدرها الدين ,فالدين هو أساس الحكم العادل وان تعيد الثقافة الإنسان وبنائه من جديد بشكل يحقق مجتمع منتج بعيد عن التهميش والعزل والإقصاء والتخلف والفساد والإرهاب. |