انطباعات عن العارية والعري والعراة..!

في بلدان العالم تظهر الازمات عندما يغيب قمر الرؤية وتزول عندما يظهر القمر كله. في بلادنا تظهر الازمات بغياب القمر وظهوره.
في كثير من وسائل التعبير العراقية في الصحف وعلى الشاشة التلفزيونية وفي البرلمان والشارع وغيرها نجد ونسمع (آراء مختلطة) صادرة عن مسئولين كبارعن أزمات بلادنا. اغلب هذه الاراء ليس فيها عمق التحليل العلمي، بل تموج بخليطٍ من المشاعر والعواطف والقيم المتناقضة والتحدي والتمرد والانفعال والرتابة والتكرار.
 اصبح الكثير من القادة السياسيين وزعماء الاحزاب والكتل البرلمانية أبناء أوفياء لهذه (البيئة المختلطة). بعضهم يغذي البعض الآخر في تصريحاته التي تحكمها وتحرّكها (جهالة سياسية) غير منصاعة إلاّ للمصالح الشخصية والحزبية والطائفية .ليس فيها غير القرابة السياسية والروحية للفطر البدوي – العشائري المستبد، صاحب الكلمة الاولى فيها  هو الإسلام السياسي والمال السياسي والفساد السياسي.
الأمثلة على ذلك كثيرة.. ربما بالآلاف من التصريحات والكتابات الصحفية السطحية، التي تفرّق بين الأخ وأخيه، بين الصديق وصديقه، بين البرلمان والشارع، بين الحاكم والمحكوم. كل واحد من الخادعين والمخدوعين بهذه المعلومة أو تلك، المنشورة أو المعلنة، يتصور نفسه رئيس عشيرة يقول ما يشاء ليتبعه ابناء العشيرة غير المتعلمين خصوصاً.
كنموذج لهذا الواقع ما سمعناه بضجيج معاد حول ماقيل عن قصفٍ أمريكي بالغلط أو بالتعمد كما يظن ويعتقد بعض القادة السياسيين المعادين للامريكان،  ناسين او متناسين باستعلاءٍ فارغٍ أن وجودهم السياسي الحالي كان سببه الأول والاساسي هو مودتهم وقربهم من الأمريكان وممثليهم الاوائل (بريمر وسلمان خليل زاد وجي كارنر ) . لم تكن بينهم وبين الامريكان أي مسافة، لكنهم الآن بعد ان سيطروا على الدولة وتحكموا فيها وامتلكوا الاموال منها صاروا يبنون الجدران السياسية والنفسية  لتحديد مسافة وطنية بينهم وبين الامريكان.
قال عسكريون عراقيون  يوم الاحد 27 – 3 – 2016 أن مصادر عسكرية عراقية صرحت وأكدت أن طائرات التحالف الدولي قتلت حوالي 30 جنديا عراقيا مع آمر فوج وضابط برتبة لواء عن طريق الخطأ بالقرب من الموصل (قرية خريردان)  خلال مساندتها بعض المعارك الجارية هناك. بعد هذا التصريح بساعة واحدة صدر تصريح أمريكي مضاد من قبل متحدث رسمي امريكي اسمه ستيف وارن  نفى فيه هذه المعلومة باعتبارها (عارية عن الصحة)..! يظل المواطن العراقي حائر بين تصديق العراقيين من ذوي الاعناق الزرافية الطويلة ام تصديق الهياكل العظمية الاعلامية الامريكية..!
يبدو أن بلادنا صارت منذ عام 2003 اكثر بلدان العالم (عرياً)  عن الصحة ..! جميعنا نتذكر جيدا تصريحات السيد حاكم الزاملي رئيس لجنة الامن والدفاع النيابية، الذي كشف خلال مرات عديدة بتصريحات تلفزيزنية   تؤكد قيام طائرات تابعة للتحالف الدولي بإلقاء المساعدات من اعتدة واسلحة ومؤن لتنظيم "داعش" بواسطة المظلات...! كما أن الغموض المحاط بوجود (احتلال تركي) في (بعشيقة)  هو من نوع المعلومات (العارية) عن الصحة. 
كما لا يوجد وجل أو خجل ولا تجهم في مزاج الذين يقولون ان البطالة في بلادنا أمر مبالغ فيه، وأن وجود  نسبة العراقيين ادنى من خط الفقر ليس صحيحاً، وان المليارات من الدولارات لم تنهب من الدولة، بل هي مجرد اتهام بلا ادانة، وأن مستوى التعليم في جامعات العراق، ليس ادنى منه في ألف جامعة عالمية، وان الديمقراطية العراقية تحشد طاقاتها الفنية لنشرها والتعلم منها في الدول الغربية وسائل مكافحة داعش والانتصار عليها.  كذلك فأن الصفات المؤسية لنظام (المحاصصة السياسية) ليس فيه اي عيب او ارتباك او ضرر ... معاناة 3 ملايين مواطن نازح (معلومة عارية).. الزراعة في العراق متخلفة حالياً عن عام 1950 (خبر عار) .. الصناعة العراقية عادت الى نقطة الصفر (مفهوم عارٍ)  .. نظرية احتمال انهيار سد الموصل (عارية). امانة العاصمة مقصرة عن خدمة المواطنين (دعاية عارية).. اغلب اعضاء مجالس المحافظات متهمون بالعمولة (دعاية عارية) ومثلها انتشار الرشاوى في مؤسسات الدولة وغيرها من الظواهر الفاسدة الحزينة لا تدهش المسئولين الحكوميين ولا البرلمانيين ولا القضاة لأنها جميعا منشورة ومشاعة على وفق نظرية (عارية عن الصحة)..!
هكذا ظهر إبداع عراقي جديد خلال فترة 13 سنة من حكومات الاسلام السياسي يتركز على (العارية) و(التعرية ). الوضع العراقي في جوهره ،كما نوّه الدكتور حيدر العبادي في الشهر الماضي، هو وضع هاديء وطيب ويشع أمنا وسكينة ،بالرغم من انه يحتاج الى فترة طويلة لتخليصه من الجو المأساوي القاتم (العاري عن الصحة)، الذي تعيشه الجماهير الكادحة وأن النقد الذي يوجه للحكومة لا يصدر عن معلومات حقيقية، بل عن معلومات عارية عن الصحة.
ليس بين حكامنا وقادة  بلادنا  من هو جاهل وأهبل أو ساذج.. كلهم فاضلون مكتملون لا يحتاجون لا إلى (شلع) ولا إلى (قلع)..!