حرية الرأي من أساسيات الديمقرطية ومن أبجديات الدولة الحديثة، والإدلاء بالرأي شجاعة تحسب لمن يقول ما لا يجرؤ الآخرون على قوله.
ومن المأثورات في التصوف حديث يقول إن (حسنات الأبرار سيئات المقربين) وإن اختلف عليه إلا أن في معناه أهمية، أي أن الانسان كلما ازداد قربا من الله تعالى كان تكليفه أعلى وأصبحت واجباته أكبر وصار ما يؤديه من عمل يقوم به أي مكلف عادي من العامة هو تقصير إزاء ما له من منزلة، وصار ما يؤجر عليه مؤمنو الحد الأدنى من الإيمان بمنزلة سيئة لهذا المقرب من الله لأن تكليفه أعلى من ذلك العمل بكثير.
تماما كما لو أن فقيرا تصدق بدينار هو كل ما يملك، وتصدق ملياردير بدينار واحد فقط هو لا شيء نسبة لما يملك فنمتدح فعل الأول ونذم فعل الثاني.
ولا أريد أن أخوض في مقبولية هذا القول والأخذ به أو رده، وما أصله ومن رواه، ومدى صحته فليس هذا من اختصاصي، وإنما أريد أن أنقل الفكرة التي حملها هذا القول الى واقعنا السياسي العراقي.
فليس من المقبول أن يكتفي السياسي بما لا يتجاوز ما يقوم به الموطن العادي، الذي لم يتصدّ للمسؤولية السياسية ولم يضطلع بالعمل في الشأن العام، فعندما ينتقد كادح غاضب وزارة الكهرباء في مقهى فهذا غير كافٍ من نائب برلماني.
سياسيونا يفهم كثير منهم السياسة على أنها بدلة رسمية ورباط عنق وحمايات ومايكروفونات تزدحم أمام فمه المبارك.
ومن أهم عناصر العمل السياسي: الحوار واللقاءات والحركة والتشاور والتفكير العميق والخروج بخطط عملية ذات خطوات واضحة. العمل السياسي أن تمتلك خيالا سياسيا وشجاعة وجرأة أدبية لتعبر إلى حيث تردد الآخرون.
السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري وجه بيانا بالأمس فيه كثير من النقاط المنطقية والواقعية، وكان يخاطب السيد رئيس الوزراء، وما قصدته تحديدا؛ التساؤلات حول ما صرح به المالكي سابقا من امتلاكه أدلة دامغة وملفات لنواب وشخصيات بارزة متورطة في الارهاب (وهذا ما أعاد طرحه بالأمس أيضا النائب عن دولة القانون فؤاد الدوركي الذي قال إن هناك 15 نائبا متورطون في الإرهاب وأن المالكي يعني ما قاله تماما).
الصدر طرح في بيانه طرحا منطقيا، بأن المالكي إما أن يكشف هؤلاء وهذا واجبه، وإما أن يكون متسترا عليهم وبالتالي يكون شريكا في الجرم.
ولكن، هل هذا يكفي يا سيد مقتدى؟ هذا كلام قد يقبل من أحدنا نحن الكتاب في الصحافة العراقية، وهو حسنة تحسب لنا، ولكن أتساءل هل هي حسنة تحسب لقائد سياسي لجناح سياسي مهم وزعيم لتيار مشارك في الحكومة تيار يمتلك القاعدة الشعبية ويمتلك جزءا من السلطة؟
ثم لماذا هذه المراسلات والبرقيات المتبادلة بين المالكي وحلفائه في التحالف الوطني؟ لماذا لا يلتقون ويتقابلون ويفكرون معا ويتبادلون وجهات النظر؟ ما معنى المسمى اذن (تحالف)؟ هل هو تحالف شكلي؟ أم أنه كعائلة كبيرة تجلب خضرواتها من نفس الدكان وكل مجموعة تطبخ طعامها في غرفة مستقلة؟
ومع الاحترام والتقدير الكبيرين لشخص ومكانة الدكتور الجعفري، هل هناك ضعف في رئاسة هذا التحالف التي لا تمتلك التأثير اللازم في الأعضاء؟
يا سادتي أنتم تقودون البلد، فهل تقودون البلد بالمراسلة؟ أرجوكم تقابلوا ولا تتراسلوا.