الروح الوطنية تنتصر على الروح الفئوية. فعلى مر العصور , عندما ينفرط عقد التفاعلات الوطنية وتطغى عليها الآليات الفئوية , ينهض في تلك المجتمعات أناس تشربت فيهم الروح الوطنية , فينطلقون بمشروعهم الوطني الذي يؤسس لحياة جديدة ذات خصائص قوية وتطلعات جامعة. وفي المجتمعات العربية , جلبت التغيرات المسمات بالديمقراطية , نزعات ومنطلقات فئوية , تسببت في تصدعات وطنية كبيرة , وما إستثنت أي مجتمع في المنطقة , ونرى ذلك واضحا في ليبيا واليمن والعراق وسوريا والدول العربية الأخرى. وقد حصلت الحالة في مصر , لكن الروح الوطنية المصرية , قد توثبت وأردت التفاعلات الفئوية , ووأدتها في مهدها , ولو أن الحالة إستمرت لسنوات أخرى , لتحولت مصر إلى مسرح للصراعات الفئوية المدمرة الخالدة في بدن القرن الحادي والعشرين. ولا بد من القول بأن ما قام به الجيش يعد خطوة وطنية صعبة لكنها مطلوبة للحفاظ على قيمة الوطن والدولة , والتحرر من أسر التوجهات الفئوية التي تسعى لتدمير البلاد والعباد. وكان واضحا أن الروح الوطنية قد تسيّدت , وأن الروح الفئوية قد تأطرت واندحرت وعجزت عن القيام بحشد بضعة مئات من أنصارها , لأن الإرادة الوطنية أعادت للجميع رشدهم وذكرتهم بأن الوطن هو فوق الفئة والحزب وغيرها من التصنيفات والمسميات. وما يجري في بعض بلداننا أن الروح الفئوية هي السائدة والمهيمنة على الحياة , وآفاق التفاعلات السياسية والإعلامية , حتى تحولت تلك البلدان إلى مرتع خصب لسفك الدماء , وميادين للدمار والخراب والنهب والفساد والإستلاب. ولا يمكن لهذه البلدان أن تستعيد عافيتها وترى حاضرها وترعى مستقبلها , إن لم تستنهض في أعماق وعيها وآليات سلوكها المفردات الوطنية اللازمة لهزيمة التوجهات الفئوية , وتحقيق الحالة الوطنية الجامعة الضامنة للمصالح المشتركة. فهل ستتمكن بعض المجتمعات المبتلاة بسيادة الفئوية من التخلص من آثامها وخطاياها , وتتعلم كيفيات ترجيح الروح الوطنية على جميع التحديات؟ إنه تساؤل يستوجب التأمل والعمل , فهل من إدراك ووعي للمصير؟!!
|