أعتذرُ عن أسلافي

 

كنت كلما قرأت التاريخ العربي الإسلامي وخصوصا تاريخ الفتوحات الإسلامية  أشعر بالخزي من هذا التأريخ ، وأشعر بأنني أنحدر من سلالة سبية سومرية أو آشورية أو كلدانية أو بابلية فأسمي ولقبي العربي لم يثننِ عن التفكير بهذا العار الذي لحق بي من ناحية الأب ،كنت أنكفئ على نفسي ويضمحل عندي هذا الشعور بالفخر الذي يتباهى به البعض، ولكنَّ عزائي كان بأني قد ورثت الكثير عن جدتي من المدنية والتحضر، وأن الدهر قد مضى ومرّت أربعة عشر قرناُ من الزمان على هذه الحادثة ولم يعد التأريخ يتوقف عند هذه الهفوات فهي صارت وبفعل وعّاظ السلاطين من أمجاد الأمة والتي يتفاخر بها من يتفاخر ليل نهار حتى قال شاعرهم المتأخر( وعلّمنا بناء المجد حتى أخذنا إمرة الأرض اغتصابا) علما بأن هذا الشاعر أيضا قد أخذوا أهله سبايا من الشركس وغيرهم من القوميات الأخرى.

لعل من يقرأ هذه المقالة يعتقد بأنني أطلق هذه الصفات جزافاً وخصوصا من يتفاخر بأصله العربي ومن يحب أن يعرف حقيقة الأمور فليراجع ( خطبة العقيلة زينب في الكوفة وغيرها) أبان واقعة ألطف، فهي تصف العرب الذين ولدوا في العراق (بأنهم ملق الإماء وغمز الأعداء)وهي تعرف حق المعرفة ما فعلت جيوش المسلمين القادمين من الجزيرة بأهل العراق والشام وبلاد فارس وبلاد ماوراء النهر وشمال أفريقيا وبلاد النوبة ومصر، فما نراه الآن من مسلمين من أهالي التبت والشيشان والبوسنة والهرسك ومانراه من غجر في اسبانيا إنما هم من بقايا العرب وهم مَن غَرَسَ في أرواحهم تلك الروح الشريرة وحب القتل.

أصلي بدوي

    أن رقة الطبع ولين العريكة كانت قد لازمتني منذ طفولتي ولم اصدّق في يوم ما بأن أصلي بدويّ واعتقد أن الجينات الوراثية القوية قد لحقتني من جدتي السومرية فهي بالتأكيد ابنة الحضارة والمدنية وقد تكون من سلالة الملك العادل شيروكين، وكم أحزن عندما أتخيلها وهي سبية بيد أجلاف الصحراء فالتاريخ يحدثنا عن وقائع  كهذه مع بنات الملوك  مرَّ وقت طويل لكي تطوى صفحة تلك الفتوحات ويتناساها القوم فهم في غابر الزمان كانوا قد استخدموا شعوب الأرض كحقول للتجارب وللوصول الى غاياتهم غير النبيلة في فتح البلدان والاستحواذ على نسائها وأموالها فالعربي لا يملك سوى فرج وكرش ومن ثم الذهاب الى النوم ولا يهمه ماذا يحدث بعدما يشبع تلك الغرائز الحيوانية وحتى تاريخنا الحديث وعندما نراجع سيرة عرب الجزيرة وتصرفاتهم نراها محصورة في النصف الأسفل من الجسم فهناك المعدة والفرج وأما الجزء الأعلى فهو معطل ،وهم في الحقيقة ورثة أولئك الذين قاموا بتلك الفتوحات فهم بعد 1400 سنة من الرسالة وبناء الدولة المدنية على يد الرسول الأكرم مازالوا كالبهائم همهم علفهم والتكاثر، لم يتغير منهم شيء ،فالأمازيغ في شمال افريقية قد استخدموا كحقول للتجارب ومادة للحرب فهم يفتحون بهم البلدان ومن ثم يقتلوهم كما فعلوا بطارق بن زياد وهكذا غيّروا ديموغرافية السكان في المناطق التي استولوا عليها في العراق ومصر فبعدما كانت مصر والسودان ارضاً للأقباط والنوبيين جاء العرب ليدمروا هذا النسيج الاجتماعي الجميل .وهكذا فعلوا بشمال أفريقيا والعراق وسوريا وبقية البلدان التي احتلوها.

فعل همجي

     عندما تمر القرون على فعل همجي وتُراجع الأمم تاريخها لتجد أن أسلافها قد ارتكبوا الفظائع ،عليها أن تعتذر لكل الأجيال لما اقترفه أسلافهم من جرائم بحقهم ، وتعيد حساباتها وتقنن كل موروثها حتى لاتترك فرصة لإعادة جرائم كهذه ،أما العرب المسلمون فقد شرعنوا كل ما أقترفه أسلافهم من جرائم بحق الإنسانية ،من جرائم إبادة جماعية وتخريب للحضارات واغتصاب للأرض والعرض، بل الأغرب من ذلك أطلقوا عليهم السلف الصالح فهم عندهم قدوة يقتدي الخلف بها وتُتَّبَع أثارهم ،حتى صار من الممكن إعادة نفس السيناريو الذي أخرجوه قبل ألف عام وبعد وفاة النبي الأكرم . فأعادوا السبي وعدوه من ركائز دينهم وأعادوا فرض الجزية وأعادوا سوق النخاسة حتى لا يتركوا مجالا لمن يعتذر عن تلك الفظائع التي ارتكبها أسلافهم فهم يقولون نحن مازلنا على همجيتنا…ولم تغادرنا….بل هي متجذّرة بنا وهي موروثنا المقدس الذي نشأنا عليه.   في هذه الحالة ومع حالة اليأس التي تنتابني من أن الإصلاح لايمكن أن يحدث في هذه الأمة التي لم تغادر الزمان ولا المكان ولا الأفعال لا يسعني إلا أن اعتذر من كل نساء الأرض ومن كل أصحاب الحضارات عما ارتكبه أسلافي من تخريب ديموغرافي  في البنية الاجتماعية والتنوع السكاني …اعتذر نيابة عن أسلافي لكل سومرية ولكل آشورية واكدية وبابلية وكلدانية وصابئية وايزيدية ودرزية ونوبية وقبطية وامازيغية  وفارسية ورومية سبيت واغتصبت وبيعت في سوق النخاسة ،اعتذر لكل نساء الأرض التي طالتها يد أسلافي بغير حق وبأسم الدين سابقا ولاحقا ، اعتذر لكل الحضارات التي هدمها أجدادي  واحرقوها ،اعتذر لكل من صنع الجمال واغتاله أجدادي بسهامهم ورماحهم، اعتذر لكل فلاسفة وعلماء الأرض عما حدث لهم من تقتيل وتشريد وصلب على يد أسلافي القادمين من الصحراء التي لم تورثهم غير خشونة الطبع وهمجية مروّعة.