السوق وما فيه

 

امتلأت السوق العراقية لحد الاختناق بجميع انواع السلع، الاستهلاكية والمعمرة. ويقدر الخبراء والمتابعون ان الموجود منها حالياً ربما يكون كافياً لسد الحاجة لخمس سنوات قادمة. وهذا لاشك علامة ايجابية قد تساعد اذا ما اخذت بالحسبان في رسم سياسة اقتصادية تجعلنا قادرين على تجاوز الأزمة المتفاقمة.لقد تسبب فتح الحدود وتراخي سلطات الرقابة وخاصة الكمركية في الكثير من الهدر المالي الذي ذهب في استيراد السلع الاستهلاكية وخاصة الغذائية غير الاساسية منها. وهذه السلع ينطوي تسويقها على مخاطر صحية -خاصة تلك التي لا يصح خزنها لمدد طويلة ومنها العصائر والماء والمشروبات الغازية- التي يعلم المختصون انها لا يمكن ان تكون صالحة للاستهلاك البشري من خلال المجئ بها عبر الحدود لما تتعرض له من مشاكل النقل غير النظامي وما تستغرقه من الوقت لحين وصولها الى المستهلك.والكل يعلم ان امولاً طائلة خرجت من العراق أغلبها عن طريق رسمي قام البنك المركزي العراقي بتحويلها الى حسابات المتعاملين في المصارف الخارجية لقاء وثائق ومستندات قدمت مع طلبات الشراء من نافذة بيع العملة، وهذه المستندات اعتمدت في العملية الا انها خضعت للتدقيق بعد مدد طويلة وتبين انها تفتقر للمصداقية، ليتم الرجوع على المصارف التي توسطت في عمليات شراء العملة لتتم مقاضاتها وفرض غرامات باهضة عليها، في وقت كان يجب فيه تجنب هذا الاجراء في التحري عن مقدمي الوثائق انفسهم للوصول الى الحقيقة.وقد حاولت سلطات كثيرة وضع الحلول للمعالجة متجاوزة ترك الامر للبنك المركزي للقيام بواجبه المحدد في القانون.ومن المثير فان البنك المركزي لازال يدور في دوامة تسببت فيها اجراءات لم تكن له القدرة على وضع حد لها. فقد انصرفت جهود البنك للسيطرة على سعر الصرف وعلى كبح جماح التضخم الذين وضعهما كهدفين منذ اكثر من العقد من الزمان.ولعلنا نلاحظ ونستذكر ما فعلته السلطات والبنوك المركزية من معالجات لمواجهة تدهور أو تخلخل اسعار الصرف وهي كثيرة، واخرها ما اقدم عليه البنك المركزي المصري عندما تدهور سعر صرف الجنيه المصري، بان طرح في مزاد مبلغ 1,5 مليار دولار امريكي ليباع باعلى سعر في السوق وهو يزيد بنقاط كثيرة عن السعر المتوازن، مما دفع السوق الى العودة الى الاستقرار.والامر الاهم في الحالة لدينا هو ان آلية ضخ العملة الاجنبية لازالت مستمرة وفقاً لنفس الاجراءات التي سارت عليها منذ ما يزيد على العشر سنوات مع علم الجميع انها تنطوي على نفس الخلل وتدفع بشدة الى مخاطر ربما ستكون تأثيراتها مستقبلية لآماد قد تطول.ونتيجة لتحجيم الانفاق الحكومي وتعطل عجلة الدوران الاقتصادي الذي نتج عنه، فاننا امام طريقتين للعلاج، الاولى أن يوقف أو يمنع او تفرض مكوس على السلع الغذائية من مشروبات وسكائر وحلويات تحقق عائداً للخزينة وتحد من استهلاكها غير الضروري، والثانية هو أن يدخل البنك المركزي العراقي في السوق مباشرة لضخ العملة الاجنبية بالسعر السائد في السوق، وان تفتح الابواب امام الاستيراد بدون عوض الذي سيؤمن عودة أكيدة للاموال المهاجرة.