التدرج الطبي والبورد

 

عندما يشرع قانون ما ، فانه لضرورة تفرضه … وهناك  قوانين خاصة تتعلق بظرف معين ، وتنتهي عندما تنتفي الحاجة لها ، وتزول مبرراتها …

فهل ينطبق ذلك على قانون التدرج الطبي الذي شرع عام 1963 وتعديلاته عام (2000 ) الذي لا يزال ساريا الى اليوم ، بعد التطور الطبي  الكبير في عموم البلاد ، وتطور المحافظات ، وتشكيل حكومات محلية لها إسوة بالعاصمة بغداد ، ولم تعد هناك ضرورة قصوى لوجود وزارة مركزية للصحة ، ما دامت هناك لجان صحية  تتولى هذا الامر في الحكومات المحلية ولها استقلالية علمية وادارية وتتبعها إدارات المستشفيات ..

إنني لست طبيبا ، ولا اختصاصيا في القانون ، ولكن  كصحفي  ومراقب أطرح هذه الملاحظة فأنها قد تكون جديرة  بالاهتمام من الجهات المعنية في الظروف الحالية ، وتتعلق بشريحة واسعة من المجتمع وهم الأطباء ..

 فالطبيب يخضع  لقانون التدرج الطبي بعد البكالوريوس ، وكذلك بعد حصوله على شهادة عليا مثل الدبلوم ، والبورد ( الدكتوراه ) .. وكأن قدر الطبيب – ما دام لديه طموح وامكانية ومهارة علمية – أن يقضي حياته متنقلا بين المحافظات ، بدءا من شهادة البكالوريوس ، مرورا بالدبلوم ، والبورد العربي والعراقي ، وانتهاء بالاختصاص الدقيق ..

وعندما نلاحظ التوسع الكبير في التعليم العالي على مستوى العراق في الاختصاصات الطبية ، ، بما فيها دراسة ( البورد ) في المستشفيات والمراكز التعليمية  في المحافظات يتبادر الى الذهن تساؤل وهو .. هل لا تزال هناك ضرورة وحاجة للتدرج الطبي ،  وخاصة لحملة البورد ( الدكتوراه ) ، ونقلهم  من مكان عملهم الذي حصلوا فيه على هذه الشهادة الى محافظة اخرى  ، بسبب وجود هذا القانون ….

واذا كانت هناك حاجة لا تزال قائمة الى هذا القانون الى اليوم  لماذا أستثنى منه الاطباء على ملاك وزارة التعليم العالي على سبيل المثال ، ممن يحصلون على هذه الشهادة …؟!..

ومن المعروف أن هذا القانون شرع في بداية الستينات ، وعدل بعد ذلك ، وظروف العراق اليوم اختلفت كثيرا عما كانت عليه يومذلك ( 1963 ) عندما كان الاطباء يحجمون عن التعيين في المحافظات  بعد الحصول على الشهادة الاولية (البكالوريوس ) ، أو النقل اليها  بعد حصولهم على شهادة التخصص ، ، ولم يكن أمام الحكومة غير أن تشرع هذا القانون ، لكي تحقق الخدمة الطبية المتطورة للمواطنين في جميع المحافظات….

 أي أنه كانت لهذا القانون في تاريخ صدوره مشروعية وضرورة  تفرضه ،  اما اليوم فقد اختلف الأمر تماما ، من حيث عدد الاطباء الاختصاص في المحافظات ومن أهلها بالذات ، ووضعها الخدمي والعلمي ، ناهيك عن تغيير النظام في العراق من المركزية  الى الفيدرالية  أو الاتحادية ، وهناك حكومات محلية ، ومن واجباتها أن تقدر حاجتها  سنويا من الاختصاصات الطبية ، من  ( البورد ) والدبلوم  ، إسوة بالخدمات  والتخصصات الاخرى ، ويمكن للاطباء  (البكالوريوس ) من هذه المحافظات التقدم للدراسة ، خاصة وان لديها مستسفيات ومراكز تعليمية وكليات طبية إسوة بالعاصمة بغداد ، وربما قد تتقدم عليها ، وبذلك تكون هناك استمرارية وتواصل في العمل والخبرة  واستقرار في ( الملاك ) ، بدلا من أن ينسبوا ، أو ينقلوا الى محافظات اخرى بعد حصولهم على هذه الشهادة ، وربما لم تكن  المحافظات التي ينقلون اليها بحاجة اليهم  ، ولكن  وجود هذا القانون يفرض عليهم التوزيع مرة اخرى ..

 يضاف الى ذلك  أن عدد  الاطباء الاختصاصيين في المحافظات أصبح  كبيرا جدا قياسا بتاريخ صدور القانون وتعديلاته …

فلماذا التمسك بهذا القانون الى اليوم  ، بشكل يظهر وكأنه لا يزال هناك  تفاوت في الخدمة الطبية والعلمية بين محافظة واخرى ، أو بين  العاصمة  بغداد والمحافظات ، من تاريخ صدور القانون والى اليوم ، وهو خلاف الواقع اليوم  ..

 ولماذا يطبق هذا القانون على الاطباء فقط ، دون التخصصات العلمية والانسانية الاخرى …

عسى أن تحظى هذه الملاحظة بالتوقف عندها من قبل المعنيين ، وبالذات لجنة الصحة والبيئة النيابية ، وانهاء معاناة هذه الشريحة  الواسعة من قانون صدر قبل عشرات السنين ، ولم تعد له ضرورة ، وقد يدفع البعض الى الاحجام عن تطوير مهارته  والحصول على الشهادة العليا ..

{{{{{{{

كلام مفيد :

الوقاحة هي أن تحادثني وتبتسم لي وقد أكلت من لحمي حتى جف لسانك ، والاستهانة هي أني أعلم بكل ذلك وأبتسم لك … نجيب محفوظ