هناك حكمة قديمة فيها من الدروس مايصلح في كل الظروف ويصح مع كل الناس، أنّى كانت مواقعهم في المجتمع، تلك الحكمة تقول: أول خطوة للسقوط هي الغرور. ويقول المتخصصون بعلم النفس والاجتماع ان النرجسية تعني حب النفس حد الغرور والتعالي والشعور بالأهمية، ويتصف المصاب بها بحب إطراء الغير اللامنتهي به. وقد شخص لنا التاريخ العديد من الشخصيات والقادة المصابين بها أمثال؛ ستالين، كيم ايل سونغ، القذافي، صدام حسين وغيرهم الكثير ممن انجبتهم مجتمعات عديدة في أزمنة مختلفة. والذين تبوأوا مناصب ذات نفوذ وتأثير على مجتمع واحد، وأحيانا أكثر من مجتمع. وسجل لهم التاريخ أسفارا بكل كبيرة وصغيرة صدرت منهم، متنقلا بمراحل حياتهم من الصغر حتى الكبر. فبعضهم سُجلت له مآثر يُحمد عليها، وبالمقابل هناك مواقف شانت من صفات البعض الآخر وحطت من قدرهم، لاسيما القادة الذين يتحكمون بشعوب عانت بسبب ميلهم لعشق الذات الأمرين. في عراقنا يطول الحديث عن أزماته الماضية -فضلا عن الحالية- بسبب جثوم شخص على كرسي الحكم ثلاثة عقود، اجتمعت فيه من الخصال السيئة الكثير، كان أولها النرجسية، وهذا حسب تحليل علماء اختصاص كثيرين في حياته وبعد مماته. الأمر الذي وضع العراق بما آل اليه إبان حكمه، وكذلك بعد زواله. اليوم وقد مضى على رحيل المقبور ثلاثة عشر عاما، وانقضت كل هذه السنين على تسليمه مشروع العراق ترابا كما قال، ما العمل ونحن جميعا -بدءًا من رئيس مشروع العراق الكبير الى ابسط مواطن- نشرب من دجلته وفراته ونأكل من خيراته وثمرات أرضه؟! ماالعمل وهويتنا وأصولنا جميعا عراقية. سؤال أرى ان الإجابة عليه تحتم منا جميعا المشاركة فيه، وليس رئيسه ورئيس وزرائه وساسته ومسؤوليه فقط، فالهرم لا يعلو بقمته وحدها بل بقاعدته وبكل لبنة فيه مهما صغر حجمها. وبعودة الى النرجسية وقى الله شرها كل العراقيين، أقول بلسان واقع حالهم، وبأصابع أشير بها الى حلقات سلسلة التشكيل الهرمي الماسك بمفاصل الحكم في عراق اليوم على اختلاف آرائهم ورؤاهم، انكم ياقادة مشروع العراق الكبير، مازلتم تعيشون فترة نقاهته بعد شفائكم من الداء العضال، وما طول هذه الفترة إلا لقصور في سياستكم وإدارتكم البلاد، إذ من غير المعقول والمقبول أن تتجاوز فترة النقاهة دزينة من السنين -والحبل عالجرار- لولا قلة التدبر وسوء التقدير، وإدمانكم الالتفات الى الأنا والذات وطرح المصلحة العامة جانبا. فهلا اتخذتم ياقادتنا درسا من نرجسية صدام، يعلمكم كيف تسخِّرون خيرات البلاد لخدمة ملايين العباد، وليس لإرضاء أهواء او سعي وراء مصالح شخصية اوإملاء جيوب وأرصدة، لن تعود عليكم بنفع إلا كما عادت على صدام في دنياه الزائلة، أما حسابها في الآخرة فواضح وضوح الشمس في كبد السماء. وليكن من تبذيره وبعثرته خيرات البلاد حافزا لكم للبناء والنهوض بالعراقيين الى مكانة تليق بهم كباقي بلدان العالم المتقدم، وبذا ستضمنون الشعب العراقي في القادم من الانتخابات، فهي إن بعدت او قربت واقعة لامحالة، وسيكونون حينها خط دفاعكم الاول والثاني والثالث، وستنتفي حاجتكم للسيارات المصفحة والمناطق الخضراء والصفراء والحمراء، ولتكن نرجسيتكم في حب الوطن والشعب واداء الواجب الذي اقسمتم عليه، وستحققون بهذا حضورا حسنا في حياتكم، وإن غبتم فسيكون غيابكم مذكورا بالخير وتغذّون حينها نرجسيتكم بما يشبعها.
|