المرجعية الرشيدة وخارطة الحلول الاستراتيجية للمشكلة العراقية

حملت الزيارة الخاطفة والمفاجئة للمبعوث الاممي في العراق يان كوبيتش الى مدينة النجف الاشرف ولقائه المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي بالعديد من الدلالات على قتامة المشهد السياسي والوضع المربك الذي تمر به البلاد ، ويبدوا ان كوفيتش جاء هذه المرة وفي جعبته سلة مليئة بالمشاكل المستعصية والتي عقمت عقول السياسيين كالعادة عن ايجاد حلول لها او تساهم في دفع عجلة العملية السياسية الى الامام قيد أنملة وهو الوضع الذي تكررت وازدادت تعقيداته صعوبة بسبب سياسة الاستئثار والانانية التي تصدرت المشهد العراقي منذ سقوط حكومة البعث الجائرة في 2003 والى اليوم .
المبعوث الاممي كان يدرك جيدا كمن سبقه بأن لقاء المرجعية الرشيدة والاستماع الى آرائها وتصوراتها والحلول الجاهزة التي دائما ما تقدمها تشكل دافعاً قوياً للتواصل معها ولذلك تعددت تلك الزيارات واللقاءات بين الطرفين مرارا وتكرارا لتضع امام طاولة السياسيين وعبر نافذة المؤسسة الدولية جملة من المشاريع والبرامج للخروج من مسلسل الازمات المتلاحقة المتأتية من رؤيتها الواقعية وتشخيصها الدقيق لأصل المشكلة السياسية وعوامل الانتكاسات المتلاحقة لمجمل سير العملية السياسية وما يترتب على ذلك من نتائج سيئة على جميع الاصعدة ، مشاريع الاصلاح التي لم يبخل المرجع اليعقوبي في تقديمها كبرامج ومقترحات للخروج المؤقت والدائم من الأزمات الا ان تلك الحلول كانت دائما ما تصطدم بجدران كونكريتية مسلحة من قبل الكتل السياسية مبني على أساس المصالح الضيقة والحسابات الشخصية المنفعية المعقدة لتجهض بذلك كل تلك المشاريع والمحاولات الاصلاحية .
الحوار الذي أستمر لساعة ونصف بين المرجع اليعقوبي والمبعوث الاممي بالتأكيد كان مؤشراً إيجابياً على وجود تقارب في قراءة وتشخيص الخطوط العامة للمشكلة السياسية في العراق ولذلك كان البيان الذي صدر من مكتب المرجعية الرشيدة حافلاً بالرؤى الدقيقة لما شهدته الساحة السياسية مؤخراً من حراك جماهيري وحكومي كانت ثمرته خطوة رئيس الحكومة بتقديم تشكيلة وزراية مقترحة من التكنوقراط بحسب زعمه ، وتضمن ذلك البيان المرجعي نظرة حول تلك الخطوة والمشروع والمقترحات العملية لإنضاجها وجعلها بوابة لانفراج حقيقي للأزمات والمشاكل التي يأن من وزرها المواطن العراقي بالدرجة الاولى والاخيرة .
ورغم اعتبار المرجعية خطوة رئيس الوزراء انها تصب في الاتجاه الصحيح لإسهامها في نزع فتيل الازمة الاخيرة التي جاءت نتيجة تراكم الاحتقان والسخط الجماهيري من الوضع السياسي البائس ، بالإضافة الى توفيرها أجواء ايجابية لمزيد من الانفراج والحلول ، الا ان ما رافق تلك الخطوة من غموض ربما يقصد سماحته فيه الاشارة الى الية الاختيار واللغط الذي اثارته بعض الاسماء التي تشكلت منها تلك الكابينة المقترحة والتي يوجد حولها الكثير من الملاحظات والشبهات او الارباك الذي شهدته عملية دمج بعض الوزرات المتقاطعة وغير المتجانسة تماما في عملها ، وكذلك الانسحابات لبعض مرشحيها ، والاهم من كل ذلك هو مواقف اغلب الكتل من تلك التشكيلة والتي اتسمت بالرفض والتشكيك في خياراتها وجدواها وآلياتها ، كل هذه المعوقات أنتجت تجاهها نوع من الممانعة لدى اغلب الكتل السياسية مما سيؤدي عملياً الى تعطيل مشروع العبادي الذي ترك الكرة في ملعب البرلمان للقبول والرفض وغيره من الخيارات في خطوة ربما تؤكد ان هذا المشروع هو محاولة مؤقتة للخروج من الضغوط وشبح الازمة المرتقبة التي كان يمكن ان يمر بها وبأقل الاضرار.
المرجعية الرشيدة كانت واضحة في لقائها بالمبعوث الاممي في دعوة رئيس الحكومة للجلوس الى طاولة حوار جدي مع الشركاء السياسيين للحوار والتفاهم والاتفاق في سبيل اخراج مشروعه الاصلاحي الى حيز التطبيق الفعلي ، ولأن الهدف من الاصلاح هو خلق مناخ جديد لتنمية واتخاذ جملة من القرارات والاجراءات التي تصب في صالح البلاد والمواطن فأن اصطفاف الكتل السياسية ومساندتها أمر ضروري لمثل هكذا مشروع إصلاحي ، والمطلوب ان يكون السيد العبادي أكثر تفاعلاً مع الملاحظات الموضوعية للكتل السياسية مع تكريس مبدأ المشاورة والمشاركة مع جميع الشركاء في سبيل انجاح مشروعه الاصلاحي الذي يحتاج الى مزيد من الشفافية والوضوح لتكل الكابينة الوزارية المقترحة على صعيد الاسماء والبرنامج والاهداف التي تسعى لتحقيقها .
 
المرجع اليعقوبي في لقائه مع كوفيتش وضع معالم الاهداف التي يجب أن تكون في أولويات عملية الاصلاح السياسي للحكومة في المرحلة القادمة والتي لخصها سماحته في تجاوز الازمة الاقتصادية للخروج من دوامتها ، ومواصلة تطهير البلاد من دنس الارهاب وانهاء مظاهر وجوده على كامل الاراضي العراقية ، واعادة النازحين والمهجرين الى مناطقهم لإنهاء مسلسل معاناتهم ، وترى المرجعية ان السعي الجاد لتحقيق هذه الاهداف الاستراتيجية يتطلب وقوف جميع الكتل السياسية مع رئيس الحكومة وهو الامر الذي يحتم على الجميع كذلك التعاون والتفاهم المثمر للوصول الى مساندة ودعم فاعل في سبيل تحقيق هذه الاهداف الوطنية .
 
المرجعية الرشيدة حملت ايضا خلال هذا اللقاء مسؤولية التدهور والازمات والكوارث التي تأن منها البلاد كل الجهات الفاعلة والمؤثرة في المشهد العراقي سواء كانت دولية او محلية لاكتفاء الجميع بالمعالجات الترقيعية الانية لجميع المشاكل او ترحيلها دون الاعتماد على الحلول الاستراتيجية الجذرية التي لم تبخل المرجعية في طرحها لمعالجة الاخطاء وتنجب حصول مضاعفاتها ، هذا الاهمال الدولي والمحلي أدى بالأخير الى ما نشهده اليوم من تعقيد بالغ الصعوبة للمشهد العراقي بعد أن وصلت الامور الى حافة الانهيار ، واوضح سماحته ان الاهمال وتغييب الحلول الجذرية الاستراتيجية من قبل السياسيين عمل مقصود يستهدف الحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم فقط .
وابدى المرجع اليعقوبي كذلك قناعته للمبعوث الاممي بان استمرار هيمنة قادة الكتل السياسية على القرار وتعطيل اي دور حقيقي للبرلمانيين المستسلمين لاستبداد زعماء كتلهم سوف يؤدي الى عجز الحكومة عن تحقيق مطالب الجماهير ونيلها لحقوقها حتى في ظل وجود حكومة تكنوقراط الى ان تشكيلها (حكومة التكنوقراط) ربما يكون طريقاً وخطوة للانتقال الى مرحلة تكون فيها هناك فرصة حقيقية للوصول الى حلول استراتيجية لمشاكل العراق تتجسد بعدد من الخطوات ومنها تغيير قانون الانتخابات على النحو الذي يضمن ان تكون اصوات الناخبين فيصلاً في اختيار من يمثلهم بعيداً عن هيمنة الكتلة وقياداتها من خلال ان يكون معيار الاصوات للمرشح هو جواز مروره للاستحقاق الانتخابي وليس مزاجية زعماء الكتل التي يتيح قانون الانتخابات الحالي له الفرصة للتحكم والتلاعب في اصوات الناخبين بما يلائم سياساتها ، وسوف يكون تغيير قانون الانتخابات فرصة لايجاد نخبة سياسية مستقلة الارادة وغير خاضعة لهيمنة كتلها لتكون بالتالي قادرة على تحقيق وتقديم مصلحة الشعب العراق وتلبية متطلبات النهوض بالواقع السياسي والامني والخدمي والاقتصادي وغيره.
المرجعية الرشيدة اكدت في نهاية حديثها الذي اطلعنا على مضامينه من خلال البيان الصادر من مكتبه عقب زيارة المبعوث الاممي مباشرة أن جميع الكوارث التي يمر بها العراق هي افرازات للتخبط والتي الذي يسود المشهد العراقي على الصعيد السياسي والذي انتج شعوراً بالقهر والحرمان والاضطهاد والظلم لدى المواطن العراقي الذي كان ولا يزال الضحية لممارسات السياسيين الخاطئة ووقوداً لخلافاتهم وتصفية حساباتهم فيما بينهم ، ولذلك فأن الطريق للخروج من كل ذلك يتطلب معالجة أصل المشكلة واجتثاث جذورها وذلك لا يكون الا عبر تبني الحلول الاستراتيجية التي يتفق عليها الجميع ويسعون لتحقيقها .ahmedalbudayry@gmail.com