أزمة مستدامة

 

ليس رجما في الغيب ، ولا يحتاج الامر الى (عبقرية)  في التحليل عندما توقعت في المقال السابق (الاحد) الماضي بعد تسلم مجلس النواب (الظرف) المغلق الخاص بالتشكيلة الوزارية أن العملية السياسية ستدخل في ازمة جديدة ، ظهرت مطالعها قبل أن يعرف المرسل اليه (النواب) ما فيه على وجه اليقين ، وليس من التخمين او التسريبات ..

والسبب ببساطة …

أننا إعتدنا على الازمات ، بشكل دوري ، وطبيعي  ، ولذلك لايحمل  الخلاف الدائر حول التشكيلة  الوزارية الجديدة صفة المفاجآة ، أو الصدفة بسبب المحاصصة ، التي تعني من بين معان كثيرة  .. (اقتسام ، مقاسمة ، توزيع .. الخ) ..

 ولك ان تتوقع النتائج ، وما ما يترتب على هذه المعاني من عائد مادي أو معنوي  لمن يستفيد منها ، وما تتوقعه أيضا من خلافات عندما تتعارض الرغبات ، أوتكون المناصب على المقاسات ، ولذلك تضخمت المؤسسات ، وليس بعض (الكروش) فقط ، واضطرت البلاد (مجبرة ) على أن تتحمل نفقات أربعين وزارة في وقتها ، واستحداث مناصب (نواب ) اكثر من اللازم ، لارضاء اشخاص وكتل ، ندفع  الى اليوم (ثمنها) ، وإن اُلغيت …

وليس في الأمر غرابة عندما يدخل  بلد في (فراغ رئاسي) ، ويكون بلا رئيس منذ سنتين ، لغياب ما يسمى الاتفاق أو التوافق ، وهو المحاصصة ،  بالفصيح المباشر..

وبلد أخر  (قلده) دخل في (إشكالية) ، وتفسيرات وسجالات  وخلافات منذ مدة حول الاصلاح والتشكيلة الوزارية ، ولم يجد منفذا في هذا النفق ليخرج منه ، بعد أن أغلقت الكتل السياسية نهايته بحائط كونكريتي عال عنوانه (المكونات) ، وضمان حقوقها ، بذريعة (العدالة) ، وتحقيق الاستقرارالسياسي ، وحقيقته توزيع المناصب حسب المحاصصة الطائفية ، أي حسب التنوع الاثني (عرقي) أو ديني  ، وقد وضع  بول بريمر أساسها  بتشكيل مجلس الحكم ، وإستمرت الحال على هذا المنوال الى يومنا هذا .. وبالتالي لا تتوقع أن يتخلى عنها أحد ، بعد أن ضمنت لهم  تلك (العدالة) !!…

وتستمر البلاد في الازمات … أزمة تلد اخرى في حلقات متصلة ،  ومتواصلة ،  بمضامين واحدة  ، وعناوين مختلفة .. ( تغيير جزئي ، أو شامل  في الحكومة) ، وتصل الى ذروتها بالتهديد بسحب الثقة ، وحل البرلمان ، ثم يُحل الموضوع بالتراضي ، بما يحقق تلك (العدالة) …. وكأن العملية  السياسية  تحولت الى معمل (تفريخ صناعي)  للمشاكل والازمات المستدامة ، بدل  أن تصنع تنمية مستدامة …..

 ومن حسن حظ العراق أن الازمات كانت على قدر السياسة  كما هي (المناصب على القدر المناسب)  ، فظلت محصورة بين الكتل السياسية ، ولم تمتد الى ابناء الشعب الذين حاولت  العملية السياسية  أن (تقسمهم) الى مكونات ، ولكنهم حافظوا على وحدتهم بكل بقوة  ، لانها غريبة عليهم  ، وليست من طبيعتهم  عبر تاريحهم  ، ولذلك لم تكن بذلك التأثير والخطر ، أو تؤدي الى حرب أهلية فيما بينهم ، لا سمح الله  ، كما توهم الاعداء ،  وخاب سعيهم في أن  تنتقل العدوى من تلك البلاد التي (قلدنا) تجربتها الى بلادنا ..

إن اختيار الوزراء  من (التكنوقراط) هو بلا شك خطوة في طريق الاصلاح الطويل ، و لكنها ليست (اكتشافا خطيرا)  ، أو هي  الاصلاح كله .. فماذا يفعل (الوزير التكنوقراط) ، ومن أين تأتي له القوة في التغيير ، اذا كانت السلطات الثلاث ، موزعة  في قممها على اساس المحاصصة ، كما هي حال التجربة التي سارت العملية السياسية على نهجها ، واستقرت بها الحال على ما هي عليه  اليوم ..

والاصلاح ليس فقط في تحويل (رؤوس الاهرامات) في الهئيات من الوكالة الى الاصالة ، بل في جدوى وجود بعضها ..

وماذا يعني (الدمج القسري)  لوزارات مع بعضها ، اذا كانت الهيئات بهذه الضخامة والتوسع ، وكان يمكن أن تكون واجبات بعضها من مهمات وزارات ومؤسسات قائمة ، أو تكون مهماتها ظرفية ، فلماذا مستمرة ؟…..

 اذا كانت (التنظيرات)  و(الطروحات) والخلافات حول التشكيلة الوزارية الجديدة تفضي الى ذات النتيجة  ، فهي ليست اكثر من (طاحونات كلام) تدور ،  لكنها لا تنتج غير المحاصصة ، وليس من بين معانيها التي اشرنا اليها مفردة اسمها الاصلاح …

ولنا عودة  أخرى للموضوع …

{{{{{

كلام مفيد :

سُئل حكيم .. من هو الصادق ..؟..

قال : من يصدق أولا مع نفسه ..

ومن هو الكاذب ..؟..

قال :من غره الشيطان بنفسه