الإستهزاء والمنفعة والشخصية

 

 يعد الاستهزاء صفة نفسية غير مرحب بها عبر الازمان وطبيعة الأجيال المتوالية منذ القدم؛ ففي زمن ما قبل الإسلام عرف المجتمع العربي بالجاهلية نسبة لجهل القبائل العربية بوجود الله او بأحكام الدين على حد سواء، كما وصفهم القرآن الكريم. وهذا لا يعني ابدا ان القبائل العربية كانت جاهلة الوعي والتفكير لا، وإنما كانت سامغة الفهم والإدراك سواء على الصعيدين الإجتماعي والاقتصادي، وتفردت بثقافة قول الشعر تعبيراً عن الحاجات النفسية التي ترافق الفرد بين حين وآخر، اما من حيث العداوات والغارات التي تشنها القبائل على بعضها لعدة اسباب نرى شعراء القبائل الذين يمثلون المنبر الاعلامي لقبائلهم حتى ينالوا من اعدائهم بقصائد الهجاء والذم، وذكر مساوئ الاعداء بطريقة تهكمية ساخرة تحط من شأن القبائل الاخرى، ولهذا كانت الاقوام تخشى الشعراء كما تخشى الفرسان، لما يتركونه من وقع في النفوس، حتى تستمر هذه الصفة بالتموج عبر العصور، فالاستهزاء ليس صفة مرافقة للانسان باغلب وقته وبطريقة تشاؤمية، كما واقع الآن في العراق؛ فكثيرا ما نشاهد الناس ساخرين من الواقع وما يحمله من تفاصيل فعند ركوب السيارة لغرض التوصيل نجد فيها من هو مزدر ومثرثر بكلمات قد تخدش الحياء دون مراعاة الحضور، بغض النظر عن الجنس اذا كان الحضور رجالا أم نساء؛ يسب ويشتم ويستهزئ بكل شيء، يراه او يحسه بطريقة تجعل اللعاب يتطاير منه بوجه المنصتين، وليس هذا فحسب وانما حتى في العمل والجامعة والبيت والشارع، وفي كل مكان نرى السخرية والاستهزاء حاضرتين وكأنها شيء ما قد اذهل ذهون الناس، ربما الاستهزاء بالحكومة وحماقتها امر مجد بسبب التفاهة واليأس وغيرها من امور زرعوها في عقلية سكان هذا الوطن، لكن تطاول الاستهزاء ليشمل أمورا كانت يوما ما اكثر قدسية واحتراما وموضع وقار لا يمسسه الهواء الطلق كأمور الدين والأنبياء والقرآن ورموز الدين، وحتى وحدانية الله، هذا الاستهزاء ناتج عن نزعة وقتية بسبب ما يعانيه المواطن من حرمان علني لأبسط  حقوقه لكن ما يجعلنا نُحط في مرحلة الذهول هو ان هذا الفرد الذي يتهكم ويزدري ويستهزئ ما أن يحصل على مبتغاه او شيء بسيط من مبتغاه نراه ممجدا يمدح المتفضل عليه ويذكر محاسنه وينال ممن يسخرون منه وكأنه لم يكن مستهزئا من قبل!! هذا شيء نراه بشكل يومي حيث ان المنفعة متى ما حطت يتلاشى الاستهزاء والعكس صحيح تماما، هذه الثنائية المتنافرة بين الاستهزاء والمنفعة ان دلت على شيء فإنــــها تدل على ازدواجية الفرد العراقي التي حاول الدكتـــــــور (علي الوردي) أن يوضحها ويكشف خباياها رغم المعارضات التي واجهها من قبل بعض المستفيدين ربما او الجاهلين لواقع المجتمع العراقي.