سد الموصل.. نظرية المؤامرة وحجم الكارثة

  

في الاونة الاخيرة تناقلت وسائل الاعلام المتنوعة المخاطر التي تحيق بسد الموصل واحتمالات تعرضه الى الانهيار مما ينذر بكارثة تشمل تدمير كل البنى التحتية للدولة وتهدد الملايين من السكان بالغرق والتشرد ، وقد سببت الانباء التي تناقلتها وسائل الاعلام القلق المتزايد لدى سكان المدن التي يمر بها نهر دجلة . ولأجل معرفة حجم المخاطر التي تحيق بسد الموصل ، يجب ان نتعرص لسد الموصل وتاريخ المشاكل التي يعاني منها .

يعتبر سد الموصل من اكبر السدود في العراق ورابع اكبر سد في الشرق الاوسط . وهو يبعد نحو(50 كم) شمال غرب مدينة الموصل في محافظة نينوى ، بالقرب من أسكي الموصل على مجرى نهر دجلة ، ابتدأ العمل في انشاء السد عام1981 بدأ تشغــــــــــيله في عام 1986. وكان الغرض من أنشأئه هو تجميع مياه الثلوج من المنحدرات التركية في بحيرته الذي يبلغ طولها (45 كم) وعرضـــــــــــــها يتراوح من (1 – 14 كم) ،لتوفير مياه الري ليروي مساحة تقدر بـ(2500 كم مربع) وتوليد الطاقة الكهربائية والحماية من الفيضان . وقد وضعت تصميمات السد مجموعة الاستشاريين السويسريين ( سويس كونسلتانتس جروب) ونفذته شركة المانية ايطالية مشتركة (جيمود ) .

بني السد على تربة ذات طبيعة غير قادرة على التحمل بسبب قاعدته المتكونة من الجص وكبريتات الكالسيوم سريعة الذوبان في الماء . لذا توجب حقن خرسانات السد بشكل دوري لضمان عدم انهياره ، وقد بدأت هذه العملية في منتصف الثمانينات .

يبلغ طول السد (3650 متراً) بضمنها المسيل المائي ، وارتفاعه( 113 متراً) فوق مستوى سطح البحر . عرض قمة السد (10) أمتار تبلغ قاعدة السد (500 متر) ، للمسيل المائي للسد له خمسة بوابات مربعة الشكل . وقد تم أستخدام (7.37 مليون متر من المواد لبناء السد ) ، تبلغ الطاقة الاستيعابية المستغلة لبحيرة خــــــــــزان السد 1.8 مليار متر مكعب) بينما الطاقة الخزنية القصوى له هي (1.11 مليار متر مكعب) . تقدر المساحة الاجمالية لحوض السد بحدود (54900 كم مربع). ظهرت مشكلة السد بعد الانشاء في جانبين حسب ما ببنه الخبراء : الجانب الاول من المشكلة يكمن في الاساسيات الجبسية للسد والتي تذوب بمجرد تفاعلها مع الماء وتشكل فراغات في اساسيات السد والتي يمكن معالجتها بعملية الحقن بمادة ( البنتونايت) أو الاسمنت فائق النعومة ، وتحقن المواد من نفق التحشية . اما الجانب الاخر من المشكلة يكمن في المنافذ السفلية التي يضمها السد وهي مجموعة من الانفاق تسمح بعبور الماء من البحيرة الى مؤخرة السد ، حيث يعبر الماء من انفاق الطاقة الى التوربينات لتوليد الطاقة الكهربائية ( تبـــــــلغ الطاقة الكلية 772 ميكاواط ) وكذلك المسيل المائي أذ يبدأ تلقائيأ في حالة أرتفاع المنسوب بالبحيرة الى أعلى مستوى تشغيلي . لذا من الطبيعي يرتفع منسوب المياه الى (341 متر) فوق مستوى سطح البحر ، حتى يبدأ بالتدفق من المسيل المائي.

يؤكد المركز الوطني لأدارة الموارد المائية ان أعلى منسوب تشغيلي للسد يبلغ (330 متراً فوق سطح البحر) في حين المركز الوطني يؤكد حرصه على أن لا يتجاوز المنسوب (319 متر) يعني أقل بـ (12 متر) من المنسوب المعتمد ، وأقـــــــــــــــل بـ( 27 متراً) من أعلى منسوب تشغيلي معتمد أثناء تصميم السد . وأكد المركز أن بحيرة السد الآن لا تحتوي سوى (4 مليارات متر مكعب) تقريباً ، علماً أن الطاقة الخزنية للسد هي (11مليار متر مكعب) .

في آب 2014 أستولى تنظيم داعش على السد مما أثار مخاوف تفجيره من قبل داعش . وتدمير أبراج توزيع الطاقة المتولدة من التوربينات ، ومن ثم تم غلق منافذ الطاقة وتم تصريف المياه من منفذ سفلي واحد بسبب عطل فني في المنفذ الاخر .الامر الذي أحدث تشققات بالجدار الساند للمنفذ السفلي وليس في جسم السد . والسبب في تزايد هذه التشققات هو توقف عمليات الحقن والتحشية لمدة (45 يوما)ً فقط وذلك بعد أحتلال مدينة الموصل من قبل تنظيم داعش ، ولكن بعد تحرير السد من سيطرة التنظيم عادت عمليات الحقن بصورة طبيعية.

في دراسة أعدها مركز بحوث السدود والموارد المائية في جامعة الموصل ، أكدت الدراسة المذكورة في حالة انهيار السد فان ( 207632 متراً مكعباً) من المياه سيتدفق بسرعة (5.3 كم/ ثانية) وبأرتفاع (3.25 في الثانية) في الساعات التسع الاولى من الكارثة وهو ما يعرض أكثر من نصف مدينة الموصل الى الغرق بمياه يصل أرتفاعها (20 متراً) وتشريد وقتل الملايين فضلاً عن أكتساح مياه السيول لمسافة تقدر بـ (500 كم) ضمن أمتداد نهر دجلة وصفافه . كذلك المياه سوف تغمر أجزاء كبيرة من العاصمة بغداد تصل الى أربعة أمتار خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أيام . المثير للاهتمام في موضوع السد هو التهويل الاعلامي حول خطورة انهياره ، وقد يكون هذا التهويل لأغراض سياسية وأقتصادية لا تخلوا من شبهات فساد . خاصة ان الاثارة الاعلامية وبهذا الحجم الهائل الذي روجت له وسائل اعلام عراقية من حيث تدري او لا تدري ، وذلك من أجل تمرير الاتفاق مع الشركة الايطالية تريفي سبا والفوز بعقد أصلاح السد البالغ (320) مليون دولار والممول من البنك الدولي ، وقيل مبلغ العقد أكبر من ذلك ، حتى بلغ الامر الى أعلان رئيس وزراء ايطاليا ماتيو رينتسي أرسال (450 جنديا)ً لتوفير الحماية لهذه الشركة . خاصة وأن عراب هذه الصفقة هو سفير العراق من أجل استفادة السفير من عائدات تلك الصفقة اولاً وأدامة الاستفادة من الطاقة الكهربائية الذي يولدها السد ومعظمها يذهب الى اربيل ودهوك . ولو اردنا أن نضع ذلك في دائرة ( نظرية المؤامرة) والأحتمالات الخاصة بإنهياره وعدم إنهياره ، لبرزت نظريتان أمامنا وهما:

النظرية الاولى تتبناها جهات عراقية سياسية معينة ترى ان الحديث عن مخاطر انهيار السد الذي يتبناه الجانب الامريكي أزداد الآن بعد دخول القوات الخاصة الامريكية لاسيما قوات الفرقة 101 المجولقة في منطقة ربيعة واليعربية بالموصل بهدف عزل الموصل العراقية عن الرقة السورية ، وهذا متزامن عن دخول قوات ايطالية بحجة حماية الشركة الايطالية التي ستتولى صيانة السد ، وكذلك دخول القوات التركية الى منطقة بعشيقة بالموصل ، علماً ان جميع هذه القوات هي جزء من حلف الناتو ، وهذا يعني ان الناتو باشر بأحتلال العراق من المنطقة الشمالية . اما النظرية الثانية فتذهب الى ان لا ضير من وجود هذه القوات التي سوف تعمل على تقطيع أوصال تنظيم داعش والقضاء عليه .