السياسة النقدية للسيد علي العلاق المحافظ الحالي للبنك المركزي (الحلقة الثالثة) |
ذكرنا في الحلقة السابقة المحاور الستة التي تمثل السياسة النقدية للدكتور سنان الشبيبي مع ذكر نجاحاته وإخفاقاته، أخي السيد علي العلاق، لقد قرأت رسالتك أكثر من مرة والتي تحوي على الكثير من التفاصيل، وبها بعض الإنجازات التي تشكر عليها وسأذكرها في الحلقات القادمة، كما إنك دافعت عن الكثير من الإجراءات التي إتخذتها والكثير من أقوالك صحيحة وسأثبت بعضها الآن وفي الحلقات القادمة إن شاء ألله، لكن موضوع هذه الحلقة هو السياسة النقدية ؛لا أخفيك سراً إنني حاولت أن أوجد لك معالم لسياسة نقدية ما بين سطور رسالتك، ولكني للأسف الشديد أقولها وبألم أنك لا تمتلك إلا النزر اليسير مما يتعارف عليه كسياسة نقدية، بل إن الكثير من المحاور التي ذكرتها أنا في الحلقة السابقة والتي تمثل السياسة النقدية للدكتور سنان الشبيبي إنقلبت إلى سياسات سلبية نقيض ما حققه الدكتور سنان الشبيبي، فالحفاظ على سعر ثابت للعملة إنتهى، نعم قد لا يكون السبب أنك لست متخصصاً في المجال المصرفي فحسب ولكن تدهور أسعار النفط العالمية، أما إحتياطي البنك المركزي فقد تم هدر ما يقارب نصف الإحتياطي خلال سنتين من توليك المنصب، ومن دون وجود سياسة نقدية حكيمة فسينتهي كامل الأحتياطي خلال فترة لا تتجاوز السنتين وسينهار الدينار العراقي وسينهار الإقتصاد العراقي وسيعاني المواطن العراقي معاناةً قد تشابه معاناته خلال فترة التسعينات في فترة الحصار على العراق، وإنك تفتقر لسياسة توحيد السعر بين البنك المركزي وسعر السوق، بل إن الفرق قد بلغ أرقاماً قياسية لم يشهد لها العراق مثيلاً منذ عام ٢٠٠٣، حيث كان الفارق خلال ثمان سنوات منذ عام ٢٠٠٣ حتى أواسط عام ٢٠١١ لا يتجاوز النقطتين بعد إحتساب عمولة البنك، أما الفرق الآن فقد تجاوز التسعين نقطة وهو بإزدياد بشكل يومي، ومعناه إن السرقات قائمة على قدم وساق مع هذه المعاناة العظيمة للمواطن الشريف في يومنا الحالي، كما إن الثقة التي تولدت في عهد دكتور سنان بالمصارف الأهلية فقدت في يومنا الحالي، وبدأ الناس يفزعون من إيداع أموالهم في المصارف الأهلية العراقية، بل أخذوا يستلمون ودائعهم بالقطارة من المصارف الأهلية، والبنك المركزي لم يتخذ أي خطوة في الدفاع عن حقوق المواطنين للأسف الشديد، وكأنه ليس المسؤول الأول عما يحصل في الكثير من المصارف الأهلية حيث الطوابير بألعشرات من المواطنين وكأنهم لا يطالبون بأموالهم وحقوقهم وإنما أصبحوا هم المعتدين والبنك الأهلي هو صاحب الفضل عليهم في إعطائهم أموالهم !!!!!!!، وألحقيقة فإن هذه مفارقة عجيبة وغريبة إنفرد بها العراق الجديد، فأي مصرف في العالم إذا عجز يوماً واحداً عن دفع أموال المودعين يعلن البنك المركزي إفلاسه، وهذا ما حدث لبنك أنترا في لبنان عام ١٩٦٦ حيث زادت إستثماراته العينية على حساب السيولة التي يجب أن يوفرها، وعندما عجز يوماً عن الإستجابة لمتطلبات المودعين أعلن البنك المركزي اللبناني إفلاسه، مع العلم إن موجودات البنك من السيولة المالية ومن الموجودات العينية تفوق إيداعات المودعين لأنه من غير المسموح عالمياً أن يتوانى البنك أو يتأخر ولو لمقدار بسيط من الوقت في دفع ودائع المودعين، لأنه بخلافه يفقد البنك مبرر وجوده بتخليه عن وظيفته الأساسية. أما بالنسبة لزيادة أسعار المواد الغذائية والسلع الضرورية فقد إنعكس ذلك سلباً بشكل كبير على المواطن بسبب الفرق الكبير بين سعر الدولار المعروض من قبل البنك المركزي وسعر الصرف الموازي في السوق وما يعني ذلك من زيادة الأعباء وبالذات على كاهل المواطن الشريف الذي لا يقبل على نفسه أخذ الرشوة والفساد والإفساد والتمتع بأموال الحرام التي غدت وللأسف الشديد الثقافة السائدة للكثير من السياسيين والعاملين في دوائر الدولة اليوم، لقد قلت أن التضخم هبط في وقتك إلى ٢٪ وهي نسبة متميزة، ولكني أقول لك، إن إنخفاض التضخم لا يكون بالضرورة مؤشراً إيجابياً، نعم بالتأكيد إن إنخفاض التضخم نتيجة لسياسة نقدية مدروسة من قبل ألبنك المركزي بهدف تقليل حجم السيولة وتقليص الكتلة النقدية مؤشر إيجابي ودليل على نجاح السياسة النقدية للبنك المركزي، أما إذا كان إنخفاض التضخم بسبب ظرف خارجي وقاهر، كما هو الحال الآن في العراق، حيث تقلصت موارد البلد وفرضت سياسات تقشفية من قبل الدولة، وتقلصت المعاشات وفرضت تكاليف ورسوم أخرى على المواطن، وهاجر المواطنون خارج البلد، وعرضوا مساكنهم للبيع أو الإيجار بأبخس الأثمان، فإنخفضت أسعار العقارات، وإنخفضت ألإيجارات، وكم تعلم فإن وزن الإيجارات يأتي بالدرجة الثانية بعد وزن المواد الغذائية عند إحتساب التضخم، فكان إنحسار التضخم بسبب إنكماش الإقتصاد، وهذه الحالة مؤشر سيء، ويمكنك أن تسأل الكثير من الأقتصاديين ممن هم حولك في البنك المركزي إن كان هذا الهبوط نتيجة لسياسات غير موجودة أصلاً لدى البنك المركزي أو بسبب إنكماش الإقتصاد، فسيخبروك الحقيقة، للأسف لا يمكنك في هذه الحالة التباهي بإنخفاض التضخم، بل على العكس ذلك دليل التدهور وإفتقار المواطن وزيادة معاناته. |