قلق عراقي

 

عندما نتمعن في المشهد العراقي نرى الوطن بلا حدود ولا هوية ولا ثقافة ولا مشروع، نرى الاثوريين والتركمان والشبك والايزيديين والصابئة يناضلون من أجل استرداد الحقوق والمطالبة بتعويضها، ونرى الكرد يستثمرون المرحلة ويستغلون المواقف في سبيل امتيازات أكبر ومطالب اكثر، نرى السنة بين فوبيا الشيعة الحاضرة ومحاولة العودة إلى مركز القرار، ونرى الشيعة يبنون أسوارا قانونية و تشريعية انطلاقا من رعب المقابر الجماعية ، اصبح شعبنا يعاني من مشكلات نفسية بدأت كخيوط العنكبوت الهشة ثم تكاثرت وتجمعت فأصبحت سلاسل حديدية يصعب التخلص منها تلتف حول رقاب جميع العراقيين لان نرجسية الحزب الأوحد ما تزال متوارية في أعماق بعض الأحزاب التي مسكت زمام الأمور والسلطة لم تنتج سوى خطاب الممثل الشرعي الوحيد للشعب في قضيته من اجل الحرية والاستقلال هذا الخطاب المتكرر على مسامع العراقيين طيلة فترة الحكومات السابقة مما أدى إلى تمايز قومي وعرقي وديني وطائفي بين مكونات الشعب العراقي على حساب الهوية والانتماء الوطني وبروز العشائرية و القبلية التي وجدت لها فرصة مواتية للنمو في ظل غياب القانون وضعف مؤسسات المجتمع المدني خصوصا وان النظام السابق قد عمل على ظهورها وإعطاءها شيئاً من النفوذ والسلطة ، وغيبت الكثير من المبادرات الوطنية التي نادت بها الرموز الوطنية ومحاربتها لكي لاتحسب انجازاً لهذه الشخصية او تلك وبالرغم من مساحة الحرية ونظام الحكم الديمقراطي تعالت خطابات إلغاء الآخر مما حدى بالقوى السياسية تنتج خطاباتها الطائفية لإثارة المخزون المكبوت من الخوف أو القلق، وتخندقت النخب خلف أكداس من الخطابات تكرس المنجزات التي تنتمي إليها، وابتعدت عن الحوار الحضاري القادر على إنتاج لغة توحد جميع العراقيين وتقطع الطريق على الاصوات المتشنجة ذات النبرات المسمومة لم يجني منها سوى تركة ثقيلة من الأرامل والأيتام والعيش في ظل مستقبل مجهول وواقع مأساوي مظلم ويأس واحباط متوغل في داخلنا وانعدام الثقة بين ابناء الوطن الواحد وفي هذا المناخ تفشى الإرهاب، وتنامت قوى الجماعات التدميرية وأعاد أزلام النظام السابق تنظيم صفوفهم، ولكن في ظل هذا الكم المتراكم من الإشكاليات لابد ان نرسم لنا خيط امل نتشبث به هو الإصغاء الى صوت العقلاء المنادي لاحياء العراق من جديد هذا الصوت هو الذي سيخرس باقي الاصوات التي تعلن في كل مرة بان العراق يحتضر بفعل المؤامرات والاجندة الخارجية المرسومة في مخيلتهم دعونا نميز ونصغي لهذا الصوت العقلائي ليكون مصدر جذب لجميع الطوائف واعادة اللحمة الوطنية بين ابناء الشعب الواحد ولا ندع القلق يسيطر على هواجسنا .