أكبر مظروف أبيض في العالم..!

يبدو واضحاً، منذ عام 2003 ، أن من الصعب جداً علينا، نحن العراقيين، أن نفهم طبيعة المجتمع ،الذي نعيشُ فيه.  كل شيء يتغير بسرعة وكثيراً ما  تواجه الشعب العراقي ،بين لحظة وضحاها، مواقف مختلفة، متصارعة،  متناقضة، تصدر من الحكومة أو البرلمان أو من الاحزاب السياسية الحاكمة أو من السياسيين المولعين بالظهور على الشاشة  التلفزيونية الفضائية، ليعلنوا أقوالاً أو أفعالاً فيها نتائج سياسية متغايرة.  عموماً لم نجد خلال 13 سنة ماضية غير عجز وفساد المذاهب السياسية التقليدية  الحاكمة عن تقديم أي منجز لأبناء الشعب.
الشيء الوحيد البارز في سياسة الدولة العراقية وحكومتها هو انتاج مواقف سياسية آنية معدة للاستهلاك اليومي، لا تلبي مطالب الناس ولا تمتعهم ولا تروّح عنهم بعد ضيم احتلال داعش لاجزاء من وطننا .
أخيرا تمّت صياغة مقولة حكومية جديدة عنوانها (حكومة تكنوقراط ). وضع الرئيس حيدر العبادي اسماءهم  داخل (مظروف أبيض) هو في الحقيقة اكبر مظروف في سوق القرطاسية العراقية.  لكن هذا المظروف لم يُدخل المتعة والارتياح الى نفوس الناس الذين كانوا منذ نيسان 2003 ،حتى الآن، يعانون من كل تنظير او خطاب اسلامي او ايديولوجي، ومن كل اشكال الصراع الاجتماعي والطبقي والطائفي والعرقي.. كما فشلت حكومة الاحتلال الامريكي وحكومة أياد علاوي وابراهيم الجعفري ونوري المالكي و حيدر العبادي من حل مشكلة المساواة بين الرجل والمراة ،بين الاغنياء والفقراء، بين جميع الطوائف والقوميات .
النخبوية الاستشارية المحيطة برئيس الوزراء حيدر العبادي حققت خطوة ثقافية – سياسية – فنية بتشكيل (مسودة حكومة) متكونة من 16 وزيراً تحت ستار كثيف من السرية ومن دون أي توسع في الثقافة الديمقراطية ، وفي حرية اختيار العناصر الكفوءة،  لممارسة إدارة الوزارات ومؤسساتها بكثير من الجدية والرصانة والقدرة على تطوير جهاز الدولة ، بقصد انجاز الفعل اليومي المباشر لدى الدولة وموظفيها والتخلص من هيمنة الوسطاء والمقاولين الفاسدين.
الواضح ،أيضاً،  عند تأسيس (الظرف الابيض) أنه جرى تحويل الواقع السياسي – الحكومي ألى شظايا مجتزاة، غير مترابطة، لا في الدولة ولا في الحكومة ولا في البرلمان.
المعروف ، مثلاً ،  في كل بلدان العالم ، بما في ذلك  البلاد المحكومة فردياً أو ديمقراطياً، ان هناك قيماً ومواصفات سياسية تستند عليها ذاكرة رئيس الوزراء في حواره المباشر ، مع نفسه او مع مستشاريه،  او مع الاحزاب المتحالفة او المتعارضة مع نهجه لتشكيل (حكومة جديدة ) تقوم بمهمات رعاية الدولة خلال سنوات قادمة.
في الواقع..   بعد ساعات قليلة من تقديم (الظرف الابيض) من قبل رئيس الوزراء الى رئيس البرلمان ظهرت على الفور صفوة من النواب والوزراء وقادة احزاب متنوعة اعلنوا ، جميعاً ، انهم ليسوا مع تجديد الوزارة بهذا الاسلوب لأنه بالاساس لا يمنح قادة الاحزاب دوراً هاماً في الحفاظ على ابقاء الشخصية الوزارية تابعا من توابع المحاصصة الطائفية ، حتى لو (قيل)  عن استقلالية الوزير بشكل خيالي وبمقياس واحد فقط هو مقياس التكنوقراطية  وهو المقياس الصالح ، بنظرهم،  لكل زمان ومكان.
يقال ان لكل مرحلة وزارتها وأن لكل رئيس وزارة جماعته.  غير ان جميع ابناء الشعب العراقي لا يعرفون في أي مرحلة يمر بها بلدهم  ولا يعرفون أية فكرة عن اسلوب ادارة دولتهم .
هل نحن في مرحلة استقالة غالبية الوزراء..؟ هل نحن في مرحلة استقالة كل الوزراء..؟ هل ان رئيس الوزراء أقال الوزراء..؟ هل ينوي الرئيس تشكيل حكومة صفوة التكنوقراط العراقيين..؟  أم الاسهل والارخص تأسيس (حكومة إلكترونية) تقوم على ثقافة الكومبيوتر والإنسان الآلي..؟
ربما لا يحتاج الرئيس الى أي (أعمال فكرية) لتأسيس وزارة تعتني بحل مشكلات المستقبل من دون انتاج ثقافة متلاءمة مع هذا المستقبل . لكنني اعتقد بأن المرحلة الحالية تحتم تشكيل حكومة عادالة تساوي بين الرجال والنساء.. بمعنى تكوين الحكومة من 16 عضواً منهم  8 وزراء تكنوقراط و8 وزيرات تكنوقراطيات، لضمان المنافسة والتعاون لإنهاض بلادنا المريضة.
يتضح من خطوات الرئيس العبادي أن العراق لا يحتاج الى (تجديد) مؤسساته وأنه ليس من الصحيح  الاستفادة من تجارب  الخارج، بل التركيز على التحرر الذاتي واشباع المراكز الوزارية والادارية وغرس الاسلوب التكنوقراطي في الثقافة الوزارية الالكترونية العراقية، الانتاجية والتسويقية، خاصة بعد أن اصبح العالم ،كله، بمثابة قرية صغيرة .
في كل بلدان العالم قاطبة، تتشكل الوزارات الجديدة ،من دون ظرف مقفل، من دون مناوشات الشاشة التلفزيونية بين القوى الطائفية، وبمعزلٍ تام عن رؤى نائب الرئيس الامريكي جون بايدين، الذي لم يبرهن بنشاط سياسته منذ عام 2003 هل هو سياسي مهذب أم سياسي همجي ..!
 والله من وراء القصد..!