رغم تزايد الاوراق المقدمة في سبيل "الاصلاح" ومع كل ما يدور من حراك مكوكي وراء الكواليس لكن الكتل السياسية العراقية بخطابها تجاوزت عنق الزجاجة وكأنها تتحدث بوضع مسترخ تماما، تشعرك كأن العاصفة التي كانت تهدد كيانها حتى الاسبوع الماضي قد عدّت، لقد انتقلت الكتل السياسية من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم، وعادت من جديد لغة تبادل الاتهامات بالتقصير وهي النغمة المعتادة في خطاب القوى السياسية. فمن يلّوح بـ "شلع قلع" تمت اجابته بـ"نحكي معلّق" وهذه الاخيرة مفردة مشتركة في الهلال الخصيب تشير الى جرأة كبيرة في الخطاب.
هذه المعطيات لم تتغير الا بعد زيارة وزير الخارجية الامريكية جون كيري المفاجئة للعراق. جاء كيري مؤخرا الى بغداد حاملا معه جملة من التوصيات للقوى السياسية العراقية، توصيات تضع الجميع امام خيارات مرة. لقد حث الامريكيون الجميع على ضرورة التغيير، على السياسيين ان يعوا خطورة الموقف وان ياخذوا بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والسياسية التي تدب في الشارع العراقي، ومن اجل تلاف عاصفة الصيف التي قد لا تبقي ولا تذر، من هنا كان كيري واضحا بحسب مقربين من اروقة الاجتماعات بينه وبين مختلف القوى العراقية "لا ينبغي للقوى السياسية العراقية ان تعتبر عاصفة الاصلاح قد عدت وانها يجب ان تدفع عجلة الاصلاح الى الامام بشكل او بآخر، الوقت يمضي ولابد من فعل شيء". الجانب الامريكي يعرف ان العبادي ليس شخصية سوبر بإمكانها فرض كلمتها على الكتل السياسية، لكن الامريكان يعرفون ايضا ان اوضاع المنطقة لا تتحمل مزيدا من الارباك في الساحة العراقية، الامور تتجه للتفاهمات بين الكبار، والمفاوضات بخصوص العراق لم تنته بعد لكنها تسير الى الامام بخطوات بطيئة، وما جرى من تفاهمات واتفاق مع الجانب الايراني بخصوص الملف النووي عرضت فيه الكثير من الملفات بشكل او بآخر حتى لو لم يتم البت بها تماما لكنها لم تعد عقدا كما هو الحال في الماضي. وليس بعيدا عما يجري في العراق اللقاء المرتقب بين حلف شمال الاطلسي وروسيا الذي سيعقد قريبا جدا بعد انقطاع دام اكثر من عامين. رقع الشطرنج تتحرك بحذر شديد ولا تتحمل المجريات خطوة مربكة في العراق من قبيل التغيير الكلّي. ان اللاعب الدولي لن يسمح بتمرير تغيير شامل في العراق بين ليلة وضحاها، بعيدا عن اي حسابات وتعقيدات اقليمية ودولية. وكما يعرف الجانب الامريكي حساسية الموقف وضرورة دعم العبادي مع استبدال الوجوه في المناصب التنفيذية الاخرى، فإن القوى السياسية ورغم امتعاضها من العبادي لا تجد له بديلا في القريب العاجل، يجب ان يمر هذا الملف باقل الخسائر وتستعد لمرحلة الانتخابات، العام القادم انتخابات مجالس المحافظات ثم تليها الانتخابات البرلمانية وهذا يدفع جميع القوى السياسية لتفهم ضرورة التغيير، لكن العقبة الكؤود تبقى فقط في حفظ هيبة الاسماء الكبيرة التي تم الزج بها في ما سمي قبل عامين بـ"حكومة الاقوياء"، اسماء لا تريد ان تخرج بطريقة مذلّة، وهي اكثر من يحاول عرقلة التفاهمات. اما بعضهم فقد قرأ المشهد وقفز من المركب قبل ان يغرق بهدف الحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه.
|