اللاجئ بين الفهم الانساني و الواقع السياسي



لاشك أن القراءة السريعة للتاريخ المعاصر تسمح لنا بالقول أن ظاهرة اللجوء لست جديدة على القارة الأوربية بل نستطيع القول أن المفهوم لم يتحدد بالمعنى السياسي إلا بعد الحرب العالمية الثانية كمحصلة للظروف التي عاشتها القارة (فقد كانت الحرب العالمية الأولى و الثانية أول حرب يقوم فيها الإنسان بتوثيق جرائمه بشكل إحصائي و رصد الكتل البشرية التي اضطرت لأن تغير مكان إقامتها نتيجة الموت الذي يلحق بها)
و لم تكن المحددات المعرفية للمفهوم إلا محصلة لجملة هذه الظروف و نتيجة ضغط الشرط الإنساني بعد هذه الحرب و لكن البعد الزمني عن العوامل التي ساهمت في تجسيد المفهوم أدت في الوقت الحالي إلى إفراغ هذه الظاهرة من أبعادها الإنسانية و الاكتفاء بالفهم السياسي الذي يسمح لكافة القوى السياسية باستغلال هذه الظاهرة لحصد مكاسب بالمعنى الانتخابي الصرف
و من خلال هذه المحددات لابد من إعادة الاعتبار للمفهوم بالمعنى الأخلاقي و إن كان من أرضية الفهم السياسي 
من هو اللاجئ؟
تعرف المادة الأولى من اتفاقية جنيف 1951 بوضوح من هو اللاجئ. إنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد
لا شك أن تعريف من هذا النوع يقدم فهم بالمعنى الإجرائي 
و لكن ما الذي يغفله هذا التعريف ؟
إن ما يغيب عن هذا التعريف هو أن هذا (الإنسان) الذي غادر بلده يحمل عمر كامل ...ثقل كبير من الذكريات و الأحلام و رغبة في حياة كريمة عجز بحكم ظروف خارجة عن إرادته بتحقيق تلك الآمال
ما يغيب عن هذا التعريف التغيرات التي أصابت العالم بعد الثورة الرقمية و تحول العالم فعلا إلى قرية صغيرة و أن الآلام التي تصيب مجموعة بشرية ما على سطح هذا الكوكب هي آلام تعني الإنسانية جمعاء و أن وجود إنسان ما بوضع كهذا هو محصلة صمت عن ظلم حدث في وقت ما و قد يكون هذا الخطأ هو القبول بوجود الظلم و الاضطهاد و القبول في لحظة ما باستقبال طغاة التاريخ على السجاد الأحمر تحت غطاء المصالح السياسية و الاقتصادية 
إن اللاجئ يطرق ضمائر الإنسانية جمعاء كدلالة عن ظلم تتعرض له الإنسانية ممثلة بهؤلاء الأشخاص 
انه صرخة في وجه القبح و الظلم وهذه الصرخة تتطلب استجابة تتناسب مع التغيرات العالمية و من خلال جملة من القيم الإنسانية العامة التي أنتجتها الحضارة(الإنسانية ) (الحرية .و العدالة.و الإخاء. المساوات ..........إلخ)
و إدراك أن هناك كفاح عام من أجل أن تسود هذه القيم وجه البسيطة جمعاء للتخلص من كافة أشكال الظلم التي تؤدي إلى جرح ضمائرنا و التميز ما بين المصالح الآنية الطارئة التي تسمح بالقبول بالطغاة و بين المصالح الإستراتيجية التي تسمح بالتواصل بين البشر على أسس الاعتراف و القبول بالاختلاف و القضاء على كافة أشكال الظلم و الإقصاء 
فهم يسمح بالإقرار بأن وجود الأناس المختلفون يشكل إغناء بالمعنى الحضاري و إضفاء الحيوية و إمكانيات غير محدودة من التلامس الإنساني المنتج