الانوثة في زهائيات زهاء

قالوا ما من دولة كبرى خلت من عمل من أعمال زهاء حديد٬ وأقول ما من صحيفة كبرى لم تفرد مساحة منها لتأبينها. وبالطبع لا أتصور ناقًدا من نقاد فن العمارة لم يفرد مقالة عن فنها. قرأت الكثير من ذلك. ولكنني وجدتهم جميًعا قد أغفلوا هذا العنصر من عناصر زهائياتها٬ وهو عنصر الأنوثة. فمعظم المعماريين تميزوا بالذكورية وعبروا عنها بالخطوط العمودية٬ كما نجدها في معابدهم وكاتدرائياتهم. زهاء حديد ابتعدت عن ذلك وركزت على المنحنيات حتى وصفها ناعيها في صحيفة «الغارديان» البريطانية عندما قال: «ماتت ملكة المنحنى». وهو اللقب الذي عرفت به الآن: «ملكة المنحنى» (The Queen of the Curve). يعبر كل مبنى صممته هذه المرأة العزباء عن هذه المميزات والمنحنيات. وعلى وجه الخصوص عبرت زهاء في مبانيها عن أنوثة المرأة العراقية. فضلاً عن ذلك٬ واصلت زهاء هذا التعبير وهذا الانتماء الروحي والوطني والإسلامي بإضفاء عنصر الخمار (The veil) على أبنيتها. الخمار الذي عرفته زهاء في طفولتها باسم «البوشية»٬ الكلمة التي أطلقها العراقيون على الخمار. فالكثير من أبنيتها تخفي تفاصيلها وراء منحنى بوشية امرأة ساترة. لم يلتفت العراقيون لهذا التميز وهذا الانتماء الوطني والتراثي لهذه الفنانة الخلاقة. وهذا طبًعا يلخص العلاقة الأليمة التي ربطتها بوطنها الذي قابلها بالجفاء طيلة حياتها. فلا يعرف الكثيرون أنها في الواقع تقدمت أولاً لدراسة العمارة في كلية الهندسة العراقية بعد تخرجها من المدرسة الثانوية٬ لكن إدارة الكلية رفضتها واضطرتها للرحيل إلى إنجلترا حيث فتح لها أبوابه المعهد الملكي للمعماريين٬ ذلك المعهد المهيب لهذا الفن عالمًيا. وقدر لهذا المعهد الجليل أن يمنح تلميذته المبدعة وسامه الذهبي قبل أشهر. هذا الجفاء العراقي لعباقرة العراق صفة ملتصقة بهذا البلد٬ عبر عنها واحد من عباقرتهم قبل قرون٬ الشيخ ابن الجوزي حين قال: يقولون: إن أنت عاتبتهم مغنية الحي لا تطرب وهذا ما عبر عنه أخيًرا الشاعر العراقي عوف الراوي بقصيدة قال فيها: تلك زها٬ زها ليس لها في أرضها صرح يصون إرثها سألت في بغدادها بحثت في بلادها قالوا رفضنا نحن عرضها وفنها!