ماكنـزي يحاول معافاة الاقتصاد الوطني

فضيحة الفساد الاكبر في البلاد التي هبت رياحها من موناكو وغطت استراليا وبريطانيا وواشنطن مرت سريعاً ولم تحض بالاهتمام المطلوب برغم ان الاتهامات طالت كبار المسؤولين في القطاع النفطي. الصحفي نيك ماكنزي الذي سلط الضوء على الرشاوى التي تلقاها المسؤولون في وزارة النفط من الشركات النفطية العالمية بوساطة من شركة نويا اويل ، وذلك في تحقيق استقصائي يشهد له بالكفاءة واعقبه بمقابلات صحفية وتلفزيونية، ومنها مع قناة البغدادية ليلة الجمعة الماضية. المقابلة في غاية الاهمية ورجحت كفة الذين اعتقدوا بصحة ما ورد فيها من معلومات وفندت نفي بعض المسؤولين، ومما كشفه ان جهات عدة اتصلت به تطلب نسخاً من الوثائق والمعلومات التي بحوزته للاستفادة منها في التحقيقات الجدية الجارية في لندن وسدني وغيرها من الاماكن وبين ان السلطات في موناكو تحركت واعتقلت بعض (آل الحساني) للتحقيق معهم وتحفظت على بعض الوثائق والمعدات خشية من التلاعب بها.العراق معني بالامر، بل هو لب الموضوع فالنفط المنهوب نفطه والمقاولات هي له والرشى التي تلقوها من الذين اتمنوا على ثروات الشعب ولكنهم ضعفوا وخانوها وبددوها ، ولكن مع ذلك كان التحرك على خجل ولم يرتق الى مستوى الفضيحة وحجم الكارثة التي ليس لها مثيل سوى قبل قرن من السنين على حد قول احد الخبراء في واشنطن .لقد بلغ التلاعب باهم مورد اقتصادي في البلاد الى حد لا يمكن السكوت عنه، ولكن للاسف قوة القوى السياسية النافذة التي ينتمي اليها المتهمون استطاعت لحد الان التعمية عن الجريمة والاجراءات الى قدر معين، الى جانب ذلك تعكز بعض المسؤولين على ان الظروف السياسية في البلاد هي التي ازاحت الفضيحة من المواجهة الاعلامية، وهو مبرر اقبح من الذنب، لان الاصلاح الحقيقي يجب ان يبدأ خطوته الاولى بمحاربة الفساد وتهيأ الارضية للتغيير الشامل وليس طمطمة الفساد والمساومة عليه. من دون حرب لا هوادة فيها على الفساد وتأخذ ابعادها كاملة وكائن من كان ورائها فان لا اصلاح في العملية السياسية واستمرار تدهور احوال العراق على مختلف الصعد. اذا كانت رئاسة الوزارة جادة في معالجة الفساد وفي خطواتها، عليها الاستعجال واتباع ما اتخذت من اجراء بفتح التحقيق، لاسيما ان وزارة النفط زعمت انها نبهت الى الفضيحة قبل ذلك الوقت، ولكنها لم تخبرنا لماذا لم تتخذ اجراءات في حينها؟ ولماذا لم تصر وتثبت على موقفها في الملاحقة؟ مهما تقرر الجهات الحاكمة من اصلاحات سواء كانت مجتمعة او منفردة لا معنى لها ما لم تنظف اجهزة الدولة ومؤسساتها من الفاسدين وتصدى الكفاءات والطاقات ذات الايادي النظيفة للمسؤولية وتقديم كل من ارتكب الجرم الى القضاء ان معافاة الاقتصاد الوطني تبدأ من محاربة الفساد اولاً ، وهي السبيل الوحيد لذلك ، يحز في النفس ان بلداناً لم تكن مرتشية تلاحق الفاسدين ونحن مانزال نتفرج باجراءات بسيطة وغير مؤثرة والمتهمين يسرحون ويمرحون حتى انهم لم يتمعوا من السفر ويسرحون وعلى رأس مسؤولياتهم ، ولم يتم ايقافهم او سحب يدهم ان تحقيقاً بهذا المستوى والنوعية لن يعيد حقاً الى العراقيين ، ولا يعافي اقتصادهم المنهار والذي سرق منه بتهريب النفط لوحده مئة وعشرين مليار دولار! الواقع ان مؤسستنا الرقابية والمعنية بالفساد بينت على نظام المحاصصة المذهبية والعرقية، وهو بناء هش وفاسد كيف يطلب منه ان يقوم بواجبه ويحمي ثروات الشعب من النهب والاختلاس والتلاعب والرشوة وما الى ذلك من مخلات بالشرف والغيرة. مرة اخرى مثلما نبهنا في مقال سابق القريب في هذه الظروف لن يكون مجدياً في عمله بتحقيق العدالة واعادة المال الوطني الى خزينة الدولة، وليس من العيب ان نستعين بالخبرات الاجنبية التحقيقة والتدقيقية لاسترداد ما اخذ منا، وقد لجأت الى ذلك دولاً عديدة ونجحت في اهدافها، ولكن كل العيب ان ينفذ فاسد بما سرق ويضحك ملء شدقية على العراقيين الذين يعانون من التخلف في كل مناحي الحياة. كل الشكر الى الصحفي نيك ماكنزي من وكالة فير فاكس على دأبه وسعيه لمحاربة الفساد والحفاظ على حق الشعوب في ثرواتها .. ونأمل ان يكون قدوة لوسائل اعلامنا وتسلط الضوء على الجريمة باستمرار الى ان يساق المتهمون للعدالة.