يبدو أن عبادة الشخصيات أو تأليهها ممارسة ضاربة في أعماق الثقافة الإنسانية. لكن الباحث يجد لها نماذج ساطعة عادة في المجتمعات المتخلفة سواء أكانت القديمة أو المعاصرة لنا. ولقد سماها علماء الإنثروبولوجيا الثقافية بالـ Manism ( عبادة الإنسان ). والحقيقة أرغب هنا في تسليط الضوء على حقيقة هامة جدا لم يتوقف عندها الأنثروبولوجيون بل طبقها بإمتياز الفكر النازي والمدارس الفكرية التي تولدت عنه أو تتوأمت معه تاريخاً أو ثقافةً أو فلسفةً. ولعل جوزيف كوبلز وزير إعلام أدولف هتلر قد لامس بعض حقيقتها في بعض الأقوال التي نسبت إليه. فيقال أنه قال: 1- إعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي. 2- كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي. 3- كلما كانت الكذبة أكبر كان تصديقها أسهل. هذه الأقوال وبعد تفحص دقيق لأعماقها نهتدي إلى ما يؤكد الحقيقة الهامة جدا التي أردت التوقف عندها والتي يمكنني صياغتها كالتالي: إن العلاقة بين عبادة الشخصية وغياب الوعي ( أو سيادة التخلف الثقافي ) علاقة طردية أولاً لكنها ثلاثية الأبعاد ثانياً. فكلما إزداد التخلف وغاب الوعي : * إتسعت ظاهرة عبادة الشخصية. ( طردي ). * الشخصية المعبودة والتي عادة ما تكون مريضة نفسيا ( حاكم طاغ – رجل دين أشر – رأسمالي جشع – شيخ عشيرة متسلط – زعيم سياسي متمسك بسلطته – إلخ ) تعمد إلى التمترس وراء الدين – العنصر – التاريخ – مخاطرتهديد مفتعل – الإنحلال الإجتماعي – البطالة – فيتقمص دور الأله أو البطل المنقذ أو البديل القادم. ولكي يسود ويبقى : * نراه يعمد إلى استراتيجيات : نشر الأمية ومحاربة الثقافة الجديدة وأي معلم حضاري حديث – قتل الصناعة والزراعة وأي مشروع تنموي – سرقة المال العام عدا عن فرض أتاوات على أتباعه تحت شتى المسميات – فسح المجال للأجنبي للتواجد – إلخ.. فيعم التخلف وينحسر الوعي الذي سيغيب نهائيا وبالمقابل تسمن ظلال القائد وتترسخ قوة شخصيته المعبودة فترتبط به مصائر الناس ويساقون وراءه كالقطيع... ملاحظة 1 :- الكوبلزية ظاهرة تكشف عن نفسها بوضوح في العراق. ملاحظة 2 :- عبادة الشخصية تبرز على السطح في المشهد الثقافي العراقي أسرع من أية ظاهرة أخرى.
|